نحن أخوانكم، جئنا لحمايتكم؛ لافتة انتشرت مؤخرا، وهي تتصدر واجهات نقاط التفتيش، بعد اندلاع التظاهرات في الأول من تشرين الاول، وما رافقها من دماء سالت.
سابقاً، كانت اللافتات التي تعلق في واجهات نقاط التفتيش تنص على (إحترم تُحترم)، وهي مقولة استفزازية متعالية؛ لكننا الآن لنا أن نقارن المقولة الجديدة مع مقولة أمانة بغداد (نعمل لخدمتكم ونأسف لازعاجكم) وهو مقولة مفرغة من الخدمة تماما ومليئة بالازعاجات من جهة خدمية تختار وقت ذروة اختناق الطرق لتمارس حفرياتها وتزرع المطبات؛ ولم تفكر هذه الجهة بالعودة إلى العمل الليلي الذي كان معمولا به سابقا.
مرت البلاد بأزمة كبرى هددت كل مقدرات الحياة فيها، وسالت بسببها الدماء وأسفرت عن ضحايا بين شهداء وجرحى، من كلا الطرفين، المتظاهرين والقوات الأمنية؛ لكن لا بدّ من قراءة الرسالة التي وصلتنا من الأحداث الأخيرة، وهي رسالة واضحة جدا، تنص على أن المواطنين لم يعد لديهم الصبر الكافي، بعد أن فقدوا الثقة بكل شيء وهم يشاهدون كل شيء يخضع للمحاصصة على حساب الكفاءة والأولوية، وكل الوظائف تذهب الى اصحاب المحسوبيات؛ أما من ليس لديه علاقة بمسؤول أو جهة سياسية عليه أن يتأقلم مع كل أشكال التعسف التي يعانيها في حياته اليومية، بدءا من تفاقم ظاهرة حيتان الفساد لا سيما في الدوائر الخدمية أو تلك التي تقوم مفارز منها بحلب جيوب الباعة المتجولين او أصحاب البسطيات بحجة الغرامة، ثم تسمح لهم بالعودة بعد أن يدفعوا ما يجب عليهم دفعه، كي يستمر رزقهم بحماية من تسلّم منهم (الرشوة) الذي يتجول في كل مكان بحثا عمّا يشي بمخالفة لينقض كمن وجد ضالته، لا لكي يمنع المخالفة بل لكي يتفق مع المخالف مقابل حصة من رزقه.
ومثل هذا الابتزاز ظاهرة اتفاق أصحاب المولدات الذين هم من المتجاوزين على أرض الدولة، لكنهم استفحلوا وتمكّنوا من الناس بعد أن حققوا عقدا نفعيا مع دوائر الكهرباء، حيث يقوم موظف الكهرباء بالقطع الفوري على أي شارع تأخّر فيه بيت أو بيتان عن دفع اجور المولدة فيضطر صاحب المنزل للدفع، ثم سرعان ما تعود الكهرباء الوطنية وتستريح المولدة بعد أن يتقاسم الطرفان ما سلباه من المواطن المبتلى.
لا شارع يصلح للسير في أغلب مدن العراق ولا سيما العاصمة بغداد، ولا مياه صالحة للشرب ولا ندري ما عمل مديرية إسالة الماء اذا كان المواطن يشتري الماء في بلد الفراتين! فأين (خدمتنا) يا أمانة بغداد، ما نراه هو إزعاجنا فقط !!.
نتمنى من (أخواننا) حمايتنا فعلا، وعدم استغلال وضعهم الوظيفي لرصفنا في طوابير مهينة لاسيما ونحن نشهد غلق طرق رئيسية وحيوية في بغداد؛ وكي نتجنب أية أزمة يجب دمج الشعارين ليكونا شعار الحكومة (نحن أخوانكم جئنا لحمايتكم وخدمتكم ونأسف لازعاجكم)، حينها سنقارن بين الشعارات والخدمات، ومدى احترام المواطن في نقطة التفتيش أو في شباك المراجعة المذل في أية دائرة حكومية.
يجب أن تختصر الحلقات المؤدية إلى المسؤول ويجب على الوزراء فتح ابوابهم للموظفين وعامة الناس، فأغلب الخراب يأتي من الحاشية التي تنطق باسم المسؤولين.
ولكي لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون لا بدّ من احترام الكفاءات وأصحاب الشهادات والخبرة، الذين يقضون وقت دوامهم تحت رحمة من لا يعي شيئا سوى انه تولى عليهم بتوصية حزبية أو محسوبية أو قرابة عشائرية، فكم من كفاءة وشهادة عليا في البلد تقف في طابور الدخول للدائرة بينما تفتح كل الأبواب المغلقة ويتراكض الحرس لاستقبال صاحب المحسوبية الذي كل مؤهلاته انه جاء
بتوصية.
يريد العراقيون بعد تضحياتهم المريرة أن يعيشوا حياة المواطنة الحقة، وينعموا بشيء من الاحترام في كل مفاصل الدولة؛ وحين يتحقق ذلك لن يحتاج المسؤول للتبذير لكي يحقق الدعاية لنفسه، لأن عمله الصادق هو الذي يحميه ويقربه من الناس.