يحتلُّ موضوع التوعية والتثقيف المالي أهميَّة كبيرة في العديد من دول العالم، لا سيما بعد دراسة مسببات الأزمة الماليَّة العالميَّة في العام 2008 والتي بينت أنَّ أحد الأسباب الرئيسة لاندلاع الأزمة هو تدني مستويات الوعي والثقافة الماليَّة لدى المستثمرين الداخلين بالأسواق
الماليَّة.
وفي ظل نمو الاقتصادات المعاصرة، خاصة في العقود الأربعة الأخيرة شهدت الساحة العالميَّة تطورات جوهريَّة في جميع مناحي القطاع المالي، كما تسارعت وتيرة الخدمات الماليَّة المقدمة بمختلف أشكالها وآليات توفيرها وانتشار استخداماتها إضافة الى إجراءات تسهيل الوصول إليها، إذ يتطلب ذلك معرفة وثقافة ماليَّة أعلى من ذي قبل وقدرة على إدارة مخاطر استخدام الخدمات والمنتجات الماليَّة التقليديَّة والمطورة، وهنا يظهر دور التوعية والتثقيف المالي الهادف إلى إيجاد جيلٍ واعٍ اقتصادياً ومالياً، لديه القدرة على التخطيط ووضع الأهداف والسعي لتحقيقها.
وتفيد التجارب الدوليَّة، بأنَّ تحسين نوعيَّة الخدمات الماليَّة وتوسيع نطاق وصول الأفراد والمؤسسات إليها، يعملان على نشر المساواة في الفرص والاستفادة من الإمكانات الكامنة في الاقتصاد، وفي المقابل نستنتج أنَّ آليَّة السوق غير قادرة بشكل كامل على إيصال المنتجات والخدمات الماليَّة للفقراء والأسر ذات الدخل المحدود وخصوصاً القاطنين بالمناطق النائية منهم، وهنا يبرز دور القطاعات المختلفة الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني في ضرورة تبني سياسات تحفيز لمزودي الخدمات الماليَّة لإيصال منتجاتهم وخدماتهم لجميع الشرائح والمناطق من دون تمييز، كما تبرز الحاجة إلى ضرورة تنفيذ حملات توعويَّة وتثقيف مالي هادفة لجذب وتشجيع الفئات الهشة لاستخدام المنتجات والخدمات الماليَّة التي تعمل على تلبية احتياجاتهم بهدف تحسين ظروفهم
المعيشيَّة.
وفي السياق ذاته يتوجب تعزيز دور القطاع التعليمي في تأسيس مبادئ الوعي المالي، والعمل على تنشئة جيلٍ واعٍ قادرٍ على إدارة الأموال بأفضل الأدوات والوسائل وبدرجات منخفضة من التعرض للمخاطر لاستخدام المنتجات والخدمات الماليَّة المتاحة، وبالتالي تحقيق المساواة والعدالة في الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لدى
الجنسين.
وهنا لا بدَّ من الإشارة الى تجربة بعض الدول التي أدخلت مادة الثقافة الماليَّة ضمن مناهج التعليم وفي مراحل مختلفة؛ نظراً لاهميتها في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تمكين الأفراد مالياً وهي تجربة حريٌ بنا الاستفادة منها لتسهيل المعاملات الماليَّة وتقليل البطالة في
العراق.