حُكم الشَّعبْ

آراء 2019/12/27
...

 زهير الجبوري 
 
أفرزت المرحلة الراهنة التي تكرست بتواصل الثورة (ثورة الشعب) منذ نهايَّة تشرين الأول من العام 2019 وحتى أيامنا هذه، العديد من المحطات التي يمكن الإمساك بها وتشخيصها أو الإشارة إليها بوصفها ولادة جديدة خرجت من رحم الهتافات والشعارات والتحديات الحماسيَّة لدى أبناء الشعب في ساحة الاحتجاج (ساحة التحرير) وساحات المدن العراقيَّة الأخرى وتحديداً الوسطى والجنوبيَّة منها والتي كانت غالبيَّة الأصوات من فئة الشباب، ولعلَّ الدافع الأكبر والأبرز قد قرأه العديد من محللي الشأن السياسي أو أصحاب الاختصاص من كتّاب وصحفيي البلد أو غيرهم، تحت يافطة (انتشار الفساد وضعف مؤسسات الدولة وهدر المال العام، ووضع الشخص غير المناسب في مكان لا يستحقه وما الى ذلك من أمور أخرى تنصب في هذا الجانب) ، فالدافع الأول الذي صادفته في الشارع هو قيام بعض الشباب وأغلبهم من النساء في ممارسات خدميَّة هي من واجبات الحكومات المحليَّة ودوائرها التي تأخذ ميزانياتها من الجهات المختصة، منها طلي أرصفة الشوارع بعد تنظيفها وعلى حسابهم الخاص عن طريق (التبرعات)، ومنها تكوين فريق طبي (من أطباء وممرضين شباب) يعالج الفقراء ممن لا يمتلكون دخلاً مالياً، ومنها من يفتح دورات لتعليم بعض الناس من الأميين في منظمات المجتمع المدني، ومن خلال التحري في هذا الموضوع، كانت الكلمة المشتركة والموحدة والجازمة (نحن نحكم الشعب)، ومن صميم القضيَّة الملفتة للنظر، تبرز بعض التساؤلات الجوهريَّة في خضم هذا التوجه مفادها: ما الدافع الحماسي والروحي والنفسي للقيام بهذه الممارسات.؟!. بلا شك يظهر الجواب على قدرٍ كبيرٍ من الوضوح بشأن الانتماء الى العرق والشعور بالوجود من خلال التمسك بمبدأ ننتمي إليه بلا وعينا (انتشال الوطن) أو (نريد وطناً)، فـ(حكم الشعب) مسألة نستوقف عندها عندما تغيب ملامح الدولة، أو تصبح حياة السلطة في منطقة ضبابيَّة، ومن الواضح إنَّ لهذه العبارة نظرة اصطلاحيَّة مهمة، إذ تعني (الديمقراطيَّة) بحسب ما جاءت به المصادر، وهي (الطابع المجازي لـ: حكم الشعب بالشعب، وجاءت من أصل المصطلح الاغريقي)، ومفاده ايضا أنَّ للشعب قراره الحازم في ممارسة قبول السلطة، أو زحزحتها في أي وقت أو مرحلة يجدها مناسبة، ولأنَّ الأمر أخذ حيزه الكبير في وسائل الإعلام المحليَّة والعربيَّة والعالميَّة، فقد عكس بشكل إيجابي على أصحاب القرار في اتخاذ ما يلزم اتخاذه من تعديلات دستوريَّة، وتوسعات خططيَّة لمشاريع قادمة، وحذف وإضافة فقرات بحسب ما يريده صوت الشعب المتظاهر، وبعيداً عن (جملون) مجلس النواب وقراراته، فإنَّ صوت الشاب العراقي الذي يسانده الجميع أخذ مداه الواسع، ومضى يرمم وطنه المنهك عبر هذه الممارسات التي شاهدناها 
عيانياً.كما أنَّ الغور في إصلاح البيئة من أماكن معينة أو حالات إنسانيَّة ذكرناها، يبرهن على جوهر الوعي للمرحلة المعاصرة هذه وقد أصبحت ملامحها مكشوفة، بل وكل نواياها الداخليَّة والخارجيَّة واضحة وما يلفت النظر هو عجز الحكومة الحاليَّة قد اتضح من خلال الطبقة الشبابيَّة هذه وهي تصرح في الفضائيات أو في رفع لافتات الاحتجاج أو في أخذ دور (المعين) خدمة للصالح العام بعبارة (نحن من يحكم الشعب)، وحريّ بنا الاعتراف بذلك ولكنها مرحلة مفصليَّة تنبئ بمستقبل حاسم لبعض الطبقات السياسيَّة التي لاقت رفضاً كبيراً من قبل أبناء الشعب، مهما كانت المؤثرات، ومهما تحركت أجندات لها ولاءات أخرى، وبتقديري الشخصي ثمّة ما ينتظره المواطن العراقي لبلد نريده آمناً.