تبني الولايات المتحدة الاميركية بينها وبين المكسيك جدارا على طول الحدود المشتركة، رغم ان
العلاقة بينهما عريقة، ولكن المسوّغ الاميركي هو لدرء الهجرة غير الشرعية من اميركا اللاتينية ومنع المخدرات، ولكن ألم ينم ذلك عن علاقة الولايات المتحدة بدول فقيرة سبق لها ان كانت حدائق خلفية لهم؟ وبذلك نستنتج ان التهريب والهجرة بين البلدان عندما
يكون احد الطرفين (هشا سياسيا واقتصاديا) فإنّ ذلك يعمق الفجوة او يعالج أزمة في الطرف الاقوى أو المستفيد .
فعندما تحبط النزاهة دخول 27 شاحنة مهرّبة من الخارج، ومحملة بالذرة الصفراء الى سايلو الحلة، يعني أنّ الامر حصل سابقا وهذه الشحنة ليست الاولى، ومما لا شك فيه أنّ الطرف المصدر له من يسنده محلياً، وان الاجراءت غير رادعة في الواقع، وعلينا ان لا نحمل المهرّب كلّ الوزر بل ان المسؤول الداخلي ومن وراءه يتحمّلون الوزر الأكبر لكونه لم يغلق الباب بوجه
الريح.
هناك خلل بنيوي لا يعالج كحالة فرديّة بل يتم وضع حدّ لها كظاهرة لها أعمدتها، ولكنها تطورت لتأخذ ابعادا ذات طابع جماعي، فلا يسعنا الدفاع عن المنافذ الحدودية وفق الآلية التي تعمل بها حالياً، على الاقل في ما يتعلق بالحسم والردع، فضلا عن الاستثناءات في التعامل الكمركي، كما ان هناك تداخلا غير منسق بين كمارك الاقليم وكمارك المركز، لذلك من الممكن جدا ان يستغل المهرّب هذه الثغرة، مع غياب بعض الاجراءات
المتعلقة بالسيطرة النوعية والصحية، وإلّا كيف وصلت شحنة الذرة الصفراء الى المركز الرئيس والوحيد في البلد لتسلم الذرة، رغم ان الحلة ليست محافظة حدودية؟ إذن وكتحصيل حاصل، فالشحنة مرت مخترقة الحدود الدولية والمحلية .
درعنا الكمركي فيه ثغرات وغالب الاسباب هي من الداخل، تبدأ من منح الاجازة التي يصعب متابعتها اذا ما تمت المطابقة بين المنفيست والاجازة والتي تذهب الى الضريبة كرقابة على المستورد وضبطا لغسيل الاموال او تهريبها.
لذلك قبل العتب مع الجيران ينبغي ان تكون
ملاكاتنا اولى بالمحاسبة، خصوصا ولدينا ميزان تجاري يتراوح بين الصفر لنا ومليارات لشركائنا،
عدا الصين كوننا نعادله نفطاً، وخلاصة القول إنّنا
نمثل الطرف الهش وهذا لايسر تجاريا، في الوقت الذي تعلن فيه بعض مؤسساتنا الوطنية نيتهم التصدير كالاسمنت، او تنمو لدينا منتجات الدواجن
والالبان وبدأت تغطي حاجة البلد، وهكذا في الحبوب الستراتيجية في طريق الاكتفاء الذاتي وتحقيق أمننا الغذائي.
ولكي لانعلّق فشل الاجهزة العاملة على شماعة دول الجوار، علينا ان ندرّع أنفسنا اولا ونطهّرها من تراكمات القديم والحديث لنقف بطول قامتنا امامهم، نتكامل معهم ونغادر دور الحديقة الخلفية ولا نحتاج الى بناء الجدران.