عام الإصلاح في التعليم

آراء 2019/12/29
...


د. محمد فلحي
 
فتحت التظاهرات الشبابية أفقاً واسعاً أمام الإصلاح السياسي والاقتصادي، في إطار المطالب الجماهيرية المشروعة، ويفترض أن يكون العام الجديد مفترق طرق وخيارات متعددة من أجل صنع المستقل الأفضل، ولكن غالباً ما تطغى الشعارات السياسية على جوانب أخرى في الحياة لا تقل أهمية عن عالم السياسة، إن لم تكن لها الأسبقية في الإصلاح والتغيير، وفي مقدمتها التعليم، فالديمقراطية في ظل الجهل كارثة، ولا نهضة اقتصادية أو رفاهية دون تطوير التعليم والمعرفة واستخدام تقنيات المعلومات الحديثة.
في معركة الإصلاح التي يخوضها الشباب المتظاهرون، وأغلبهم من طلبة الجامعات، ينبغي أن يكون أحد الأهداف الرئيسة للاحتجاجات إصلاح منظومة التربية والتعليم، وتوفير مستلزماتها البشرية والمادية، ولكن من المفارقات العجيبة أن أول خطوة إصلاحية مفترضة من قبل مجلس النواب تمثلت في تعديل قانون التقاعد الموحد، وقد نصت إحدى فقراته على تخفيض سن التقاعد للأساتذة الجامعيين بحجة توفير فرص عمل للشباب العاطلين، ولكن الانعكاسات الخطيرة لهذه الفقرة تمثلت في خسارة كبيرة للكفاءات العلمية وتهديد أقسام عدة للدراسات العليا بالإغلاق نتيجة التقاعد المبكر للأساتذة الجامعيين، إذ يضيع شعار الإصلاح في مهب رياح السياسة، ويكون الحصاد خسارة للمجتمع، في ظل غياب الرؤية الشاملة  وفوضوية التخطيط! 
 من جانب آخر، فإن عملية الإصلاح الديمقراطي يجب أن تشمل الإدارات التعليمية والجامعية، من خلال اعتماد وسائل جديدة عادلة لاختيار القيادات الكفوءة والنزيهة، ولا شك أن إصلاح منظومة التعليم العالي وإنقاذها من المحاصصة والفساد والمحسوبية لا تقل أهمية عن الإصلاح السياسي، وأن التغيير ينبغي أن يتمثل في تداول المناصب الإدارية التعليمية واعتماد المنهج الديمقراطي والعلمي في حسن اختيار القيادات الجامعية.إن من أهم قواعد العدالة في الإدارة حسن الاختيار للموظف المكلف بواجب رسمي، وإن النظام الديمقراطي يعتمد آلية الانتخاب الحر النزيه للمناصب العليا، ولا شك أن الجامعة يجب أن تكون في مقدمة المؤسسات التي تطبق النهج العلمي والديمقراطي لكي تظل وسطاَ سليماً للإبداع والعطاء العلمي والفكري دون أن تشلها صراعات المناصب ومفاسدها.
نقترح اعتماد طريقة جديدة تدمج بين الانتخاب والاختيار في آن معاً، وملخص المقترح أن يتم الإعلان عن فتح باب الترشح أمام التدريسيين (أستاذ وأستاذ مساعد) للمنصب الأكاديمي (رئيس جامعة أو عميد)، ثم تجري عملية انتخاب ثلاثة مرشحين من قبل زملائهم التدريسيين بإشراف ممثل من مركز الوزارة ونقابة الأكاديميين وقاض، ويرفع محضر الانتخابات إلى هيئة الرأي في الوزارة للاختيار والتصويت بالموافقة على أحد المرشحين الثلاثة الفائزين بالانتخابات، وتتم المصادقة على تعيين المرشح الفائز من قبل السيد الوزير، ويرفع اسمه الى مجلس الوزراء ويكلف وفق القانون لمدة أربع سنوات فقط. إن هذه الصيغة الديمقراطية سوف تنقذ الجامعات العراقية من مظاهر سوء الإدارة والفساد، ولا شك أن الاستمرار في اعتماد الطرق البيروقراطية القديمة سوف يزيد التذمّر والاحتجاج في الوسط الجامعي الذي يفترض أن يقدم صورة مشرقة إلى المجتمع.