عادل العامل
قلتُ ما يشبه ذلك عن الشعب السوداني الشجاع أيام إطاحته بالطاغية عمر البشير ونظامه الفاسد وإلقائه بهما في زبالة التاريخ قبل شهور، وأقولها اليوم والشعب العراقي بطليعته الثورية الشابة يفكّك النظام التحاصصي المشين قطعةً قطعةً، وينتصر على الاستبداد الفئوي البغيض شيئاً فشيئاً، وسأقولها غداً عن الشعب اللبناني، والجزائري، والليبي وغيره من بلدان النهوض الشعبي العربي المتواصل.
وكان يمكن أن لا يتكبّد الشعب العراقي في ثورته المجيدة كل هذه التضحيات الجسيمة التي لا تتكبدها حتى الجيوش في معاركها الشرسة وفي مثل هذا الوقت القصير من عمر الثورة، لو كانت هذه الجماعات الحاكمة أو المتنفذة ذات الطابع الديني، (والفساد الذي هي فيه يُلغي كونها دينية حقاً)، قد أدركت منذ "الانتخابات" الأخيرة أن صلاحيتها قد انتهت منذ وقتٍ طويل وأن رائحة تعفنها بالتالي قد بلغت شأواً بعيداً وعليها الاكتفاء بما نهبته من ثروات البلد، فهو يكفيها للعيش الرغيد خمسة أعمار أخرى لو قُدِّر لها أن تعيشها. لكنها لسوء حظها أو فهمها، أو لغبائها في الواقع، أو لاستقوائها بالأجنبي، لم يسعفها ذلك لتتدارك أمرها وتلوذ بزاوية ما للعيش على هذا السحت الحرام إلى أن ينتهي وتجد لها فرصةً أخرى .. أو يتغمدها الله برحمته الواسعة!
غير أن مثل هذه النماذج البشرية العشوائية التفكير والسلوك لا تفكر بالعواقب المحتملة حين تجد نفسها في نعيم النفوذ والسلطة والمنافع المادية التي لم تكن تحلم بها في الماضي القريب، وهي المفتقرة أصلاً إلى الكفاءات، والمال، والسكن النظيف، والرقابة الأخلاقية، والتربية الحسَنة، والمكانة الاجتماعية، والإدراك السليم، والقانون الرادع. ولا تستوعب تجارب الغير أو تتعلم من دروس الزمن، لتقول لنفسها حين تهتز تحت أقدامها الأرض، كما يحصل الآن: كفانا بغياً وتسلّطاً واستهتاراً، فأين هو الطاغية صدّام بكل جبروته الدموي ونظامه الإرهابي وقصوره وممتلكاته وزنازين تعذيبه وإعداماته واغتيالاته وعلاقاته الاستقوائية الداخلية والخارجية وخبثه واستهتاره وتعاليه ولؤمه وبلطجيته وقوّاديه وتوافهه الذين يلوذ المتبقّون منهم اليوم بهذه الجماعة الملتحية أو هذا المتنفذ الكبير؟ أين عمر البشير بوجهه القبيح وعصاه الدونكيشوتية ومجازره البشرية ورشاويه وسيدته الحرامية الأولى وإسلامييه أيضاً؟ أين زين العابدين بن علي، والشاه، ومبارك، وعلي عبد الله صالح، وبوتفليقة، والقذّافي ...
[ لكلِّ شيءٍ إذا ما تمّ نُقصانُ
فلا يُغّرُّ بطيبِ العيشِ إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتُها دوَلٌ
مَن سرَّهُ زمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدارُ لا تُبقي على أحدٍ
ولا يدوم على حالٍ لها شانُ
أين الملوكُ ذوو التيجانِ مِن يمَنٍ
وأين منهم أكاليلٌ وتيجـــانُ
وأين ما حازهُ قارون من ذهبٍ
وأين عادٌ وشدّادٌ وقحطـــانُ
أتى على الكلِّ أمرٌ لا مَردَّ لهُ
حتى قضوا فكأنَّ القومَ ما كانوا! ]
وأخيراً، فإني بقدرِ ما أشدّ على أيدي شبابنا الأبطال في سوح النضال الثوري وميادين التظاهر والاعتصام وأُكبر فيهم الوعي والتصرف الحكيم والحذر من الأخطاء، ومن السلوكيات التآمرية على صمودهم المدهش، فإني أشيد بشجاعة مجلس النواب الأخيرة في إقراره قانون الانتخابات الجديد، لا بوصفه نصراً جديداً للثوار سيمضي بالعراق نحو مستقبل أفضل، بل ولكون هذا الإقرار الجماعي التاريخي تعبيراً عن خروج هؤلاء النواب المحترمين على إرادة قياداتهم المتخلفة وانحيازهم عموماً إلى جماهير شعبهم الثائر. وتلك وقفة شجاعة أخرى في مسار التحول الوطني الكبير ووسام على صدر التجربة النيابية في العراق
الجديد.