من بين أهم الواجبات الملقاة على عاتق الحكومات في أي شكلٍ من أشكال النظم الاقتصاديَّة، تقف مسؤوليَّة تنظيم الأسواق العشوائيَّة ومعالجة نشاط اقتصاد الظل في مقدمة أولويات إدارة الدولة، وبما يتناسب والإمكانيات الاقتصاديَّة لتلك الدولة، إذ إنَّ ظهور الأسواق العشوائيَّة يكشفُ عن جملة من نقاط الضعف التي تقف في مقدمتها العوامل الاقتصاديَّة الضاغطة من قبيل تزايد أعداد العاطلين في سوق العمل، والاختلالات الهيكليَّة في المشهد الاقتصادي، أو انحسار دور الدولة والقطاع الخاص في توفير فرص العمل في شكل الدولة الريعيَّة، بجانب ضعف أداء الجهات ذات العلاقة في تنظيم علاقات السوق، وتسجيل فعالياته في السجلات الحكوميَّة، فضلاً عما تعكسه نشاطات اقتصاد الظل من تفاوت طبقي ناجم عن سوء توزيع الثروة وعدم تكافؤ الفرص، ليكون القبول بفوضى الأسواق العشوائيَّة ثمناً لسكوت الفئات العاملة في هذه الأسواق. وعادة ما ينعكس وجود مثل هذه الأسواق سلباً على أداء الأسواق النظاميَّة التي يلتزم أصحاب المتاجر والحرف والمحالت فيها بدفع الضرائب والرسوم، وبالتالي ينعكس ضررها على إيراد الجبايات التي يفترض أنْ يتم تدويرها الى خدمات، مع احتمالات انزياح الكتلة النقديَّة نحو الأسواق الموازية، بعيداً عن ساحة التداول المصرفي، فضلاً عن تأثيرها في طبيعة نشاطات الظل التي ستتعدى مصادرة الأرصفة والطرقات والغش التجاري والتداولات والتعاملات خارج إشراف الدولة، الى مساحة تزداد فيها عمالة الأطفال وانتشار الجريمة التجاريَّة، وسواها من الأعمال اللا أخلاقيَّة. ومن هنا فإنَّ واجب المؤسسات الحكوميَّة، تحت أي ظرف ضاغط، هو التدخل لتنظيم عمل هذه الأسواق باتجاه معالجة أسباب وجودها، وبالتالي القضاء عليها كلياً على المدى المنظور.
ومن دون التذكير بما كنا نطالب به على مدار سنوات في هذا الشأن، نعلن دعمنا الكبير لمشروع بناء أكشاك عصريَّة في العاصمة بغداد وبقيَّة المحافظات، فإنْ تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي، إذ إنَّ إعادة البهاء لوجه العاصمة بغداد، وتحديداً في المناطق التي تضج بهذه الأسواق العشوائيَّة، لا يمكن أنْ يكون دون إيجاد حل للفوضى الناجمة عن هذه الأسواق، بجانب أهميَّة الأكشاك النظاميَّة في معالجة أصل المشكلة المتعلقة بالبطالة، إذ إنَّ تأهيل 150 ألف عاطل مسجل لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعيَّة من خلال دورات تدريبيَّة تلائم سوق العمل "بحسب مدير المركز الإعلامي في الوزارة" للعمل في هذه الأكشاك العصريَّة التي تتوزع بين مناطق العاصمة والمحافظات سيسهمُ حتماً في انحسار أعداد العاطلين، وتنظيم حركة السوق وحركة المرور ويعيد الاعتبار لنمط الحياة العصريَّة، ويؤسس لدولة يحكمها القانون، وإذا ما صدقت تقديرات وزارة العمل بشأن قدرة المشروع على تشغيل نحو 450 ألف عاطل، فإنَّ القائمين على هذا المشروع سيكون لهم الأجر الوطني والثواب الجماهيري.