زنـوج نيــواورلـيـانـز يعـيــدون إحـيــاء ثـورتـهـم

بانوراما 2019/12/30
...

ترجمة: بهاء سلمان

 
 
 
ظهرت في البدء سيارات حديثة وعربات الغولف، ومن ثم أتى رجال يمتطون صهوات جيادهم ، وقد سارت خلفهم  فرقة صغيرة من رجال ونساء سود البشرة، مرتدين سراويل عمل وصدريات وتنورات فضفاضة طويلة وقبعات نسوية تعود لبداية القرن التاسع عشر، سارت بطوابير متراصفة عسكرية محكمة، شاهرين المجارف والمناجل والسكاكين ومديات القصب، وكانوا ينشدون وهم رافعين أسلحتهم عاليا: "قدما الى نيواورليانز.. الحرية أو الموت."
خرجت هذه المسيرة يوم الجمعة الأخيرة من تشرين الثاني الماضي عبر أحياء السود في بلدة لابليس الصغيرة، البعيدة بمسافة 30 ميلا غربي نيواورليانز، إذ  ثار قبل 208 سنوات العبيد السود ضد أسيادهم أصحاب المزارع لتحدي نظام العبودية. 
كان هذا الحدث جزءا من درس تأريخي جذري، وجزءا من مشهد بصري، يجري ضمه لتصوير فلم وثائقي اسمه "تجديد عصيان العبيد"، تخيّله الفنان دريد سكوت، مع تجواله ضمن مسافة عشرين ميلا، برحلة استغرقت يومين للتعريف بهذه القصة غير المعروفة كثيرا لما أطلق عليها اسم "انتفاضة الساحل الألماني لسنة 1811"، التي نظم فيها عمال الحقول ومراقبو العبيد وخادمات المنازل العصيان الأكبر للعبيد في تأريخ الولايات المتحدة.
الفنان الجاذب لاعجاب الجماهير نالته سمعة سيئة، بسبب عمله في ميدان العدالة العرقية، وكان عند ولادته يحمل اسم "سكوت تايلور"، لكنه اشتهر باسم "دريد سكوت" تيمنا بعبد عاش خلال القرن التاسع عشر، والذي سعى لتحقيق حريته بلا نجاح. 
لم يكن هدفه من اعادة تمثيل العصيان فقط تجديد تصوّر اللحظة الجريئة وسريعة الزوال ايضا من التأريخ الأميركي، وإنما لانتقاد الطريقة التي تحيي بها الأمة ذكرى العبودية. 
فقد قال سكوت خلال لقاء قبل المسيرة: "انه مشروع يدور حول الحرية والعتق من العبودية. الناس تدرس جورج واشنطن وتوماس جيفرسون، اللذين استبعدا الناس، فلماذا تدرّس أفكارهما بشأن الديمقراطية بدلا من هؤلاء الناس الذي يسعون لتكوين مجتمع تخلو قاعدته من العبودية؟ هؤلاء الناس كانوا أبطالا بحق".
قاد العصيان تشارلز ديسلونديس ليلة الثامن من تشرين الثاني سنة 1811، وكان يعمل مراقبا للعبيد ولد في هايتي، وتم جلبه الى لويزيانا من قبل مالكه الفرنسي الجنسية، وتحرك خلال العصيان مع أكثر من عشرين عبدا خرجوا من أكواخهم في مزرعة 
اندريه. أكواخ العبيد اختفت الآن، لكن التجمع السكاني ما زالت غالبيته من السود. 
وأدى "سكوت" دور ديسلونديس من خلال وقوفه خارج كنيسة "النجم الصاعد" وسط حي وودلاندس، محاطا بعدد من منتجي الأفلام والمصوّرين والمراسلين والاكاديميين المهتمين بالديمقراطية. 
وعلق قائلا: "اليوم الذي كنا في انتظاره أتى وقد تحقق ما أردناه، أما اولئك الذين تمنوا الموت أحرارا، فهم ينهضون معي الان!".
 
تفاعل شعبي
وأطل سكان الحي من مداخل أكواخهم التي أكلها الصدأ على المسيرة، والتقط بعضهم صورا من وراء الأسوار المشبكة لمنازلهم، وأشار بعضهم الى أن المسيرة تعيد ذكريات قديمة العهد. 
مشروع الاعلام الجماهيري المترامي الأطراف، الذي استلزم ست سنوات لكي ينجز تنظيمه، لم يكن مجرد مسيرة تقليدية أو إحياء ذكرى، فقد تملكت الفكرة فنان المقاطع الصورية الغاني الولادة والبريطاني الجنسية جون اكومفراه، وتضمنت تصاميم رقص محكمة لإعادة التمثيل تنطوي على شمولها بمجموعة من رهبان وطلبة ومعلمين وناشطين اجتماعيين محليين من قلب المنطقة، معززة بخلفيات جيّدة وممثلين لأدوار تأريخية من نيويورك ونيواورليانز.
ولم يشارك بعض أحفاد أشد أبطال انتفاضة 1811 المحليين في المسيرة، متذمرين من أن مشروع المليون دولار المموّل من قبل طيف من نقابات الفنانين، كان بالأساس يمثل وسيلة لتصوير فلم وثائقي أكثر من كونه محاولة جدية لطرح معلومات وأفكار تشغل المجتمعات المحلية. 
أما ليون ووترز، فهو سليل ثوار انتفاضة 1811 والذي نشر سنة 1996 أول قصة طويلة عن الانتفاضة، حملت عنوان: "قدما الى اورليانز! ثورة 1811 البطولية لعبيد لويزيانا"، لكنه انسحب من المسيرة التي جرى تنظيمها مؤخرا لاعتقاده بعدم توفير المنظمين للاحتفال بنضال الاسلاف فرصة للتواصل مع الأحفاد.
أما مالكولم سوبير، المدير السابق لتوعية المجتمع بالحدث والناشط العمالي والذي قاد حملة ناجحة لازالة النصب التي ترمز لعهد العبودية من اورليانز، فقد تراجع هو الآخر، في وقت مبكر من هذا العام، معترضا على الفكرة بالقول إن اعادة التمثيل تركز فقط على انتاج الفلم، وقال بحق "سكوت": "إنه يصوّر فلما ولا يرغب بأن يكون هناك أي أحد يظهر على الجوانب."
 
مواجهة دامية
ومع تواصل الممثلين بسيرهم نحو حاجز نهر مسيسيبي، إذ التقوا بمؤدين آخرين يلوحون بالفؤوس والخناجر، تم توجيه المشاهدين بالبقاء خلف سور خشبي مع هجوم الثوار على منزل اندريه، سيّد العبيد، وهو رجل فرنسي أبيض البشرة. 
وتواصل الأداء مع ظهور السيّد وتوسله بالرحمة، وصولا الى اخراج أحد الثوار لفأس ضرب به السيّد ليطرحه أرضا. ولا يتفق المؤرخون بشأن حقيقة ما جرى طوال السنوات الماضية، فبينما تشير أغلب السجلات التأريخية الى قتل الثوار لإبن مالك المزرعة، لكنهم اخفقوا في قتل أندريه، ويشير مؤرخ محلي الى مقتل ابن أندريه قبل حصول المجزرة.
وبالعودة الى الأحداث الحقيقية لسنة 1811، تقول المصادر أن العبيد الثائرين الذين حرروا أنفسهم ذاتيا من مزرعة الى أخرى، تحركوا لجمع حشد غفير تراوح ما بين 200 الى 500 فرد، وأضرموا النار في منازل مستعبديهم، وكان هدفهم الالتحام بالثوار في 
نيواورليانز. لكنهم بعد يومين من التمرد، إضطروا الى التراجع مع اقتراب مجموعة مسلحة وقوات عسكرية وجنود بحرية من مزرعة فورتير في منطقة كينر. 
وبتوجهم الى أعلى النهر، واجه الثوار مجموعة مسلّحة قام اندريه بتجميعها. وبعد معركة قصيرة، قتل نحو أربعين الى 45 عبدا، وتفرّق الباقون وسط أحراش المستنقعات.
وبانتهاء التمرد، قتل الكثير من قادة التمرّد، وبضمنهم ديسلونديس، في الموقعة، وتمت محاكمة واعدام البعض، وقطعت رؤوسهم ووضعت على أعمدة منصوبة على امتداد النهر كتحذير للعبيد الآخرين. 
ثم ظهرت ميليشيا الرجال البيض، لتواجهها مجموعة من عشرين عبدا متحررا، مدعومة بمجموعة أكبر عددا تنشد "الحرية أو 
الموت". 
وبعد تبادل لاطلاق النار، انكسرت الميليشيا وتراجعت، لينشد الجميع أغنية تقول كلماتها: نحن ماضون بإنهاء العبودية، وماضون قدما الى نيواورليانز. 
 
صحيفة لوس أنجليس تايمز الأميركية