عامُ الصراحة الثقافيَّة

ثقافة 2020/01/01
...

عالية طالب
 
هل المجاملة تعني التهذيب أم الجبن الاجتماعي؟ وهل التغاضي عن مسببات الإفساد «المعرفي والثقافي» وسيلة جبانة أم غبيَّة أم مدروسة بعناية لتمكين العقل المفسد والفاسد من إيجاد مساحته وتمدده لتحقيق ديمومته وسط صمت الرفض 
لوجوده!!
ليس هناك ما هو أهم من تعرية الواقع المزخرف بالبؤس، وليس هناك أجدى نفعاً من قول «لا» في زمن التغافل الذي مارسه كثير من المشتغلين بالحقل الثقافي وهم ينثرون بذوراً عقيمة في بيدر لم يعد صالحاً لإنبات جديد بعد أنْ اعشوشبت الأشنات في جوانبه، وبات الرضوخ لهذا الواقع «جبناً» يحتمل الركون الى كلمة مجاملة لتغليف واقعه المتخم بالخراب..
لم يعد المثقف وسط هذا الصراع الوجودي لإثبات كينونة الحق والإنسانيَّة قادراً على رفع لواء المعرفة الفيصلية القادرة على تشخيص الخلل ما دام يجامل هذا ويحابي ذاك مفضلاً الجلوس فوق تل السلامة متخيلاً أنَّ الخلود عشبة ضارة لا تحملها الخرافة وتبدو رحلة جلجامش واهية وهو من وجد انكيدو ولم يقتل
 الا خمبابا!!
الملحمة العراقية تفتقد «البطل الثقافي» ولم تعد قادرة على إنتاج الحقيقة ما دام «البطل المزيف» متربعاً منذ عقود في مساحة الإسفاف الفكري الذي أثبت عدم جدواه حين أصغينا الى صوت الكلمة الواعية في شارع امتد
في كل مسافات العراق ولم يدخل الزوايا المظلمة ولم يركن الى إطفاء شعلة التنوير الحقيقي التي استطاعت أنْ تكشف زيف الشعارات والهتافات والطروحات والأحاديث وإشغال الآخر بالمؤامرات وتصدير الإشاعات الكاذبة وتلميع
 الوجوه الكامدة.
شارع الصوت العراقي المطالب بالإنسان والرافض لاستلابه وغمط حقوقه، قال كثيراً مما عجز عنه المثقف المتحصن ببرج لا يعرف طريق المغادرة فيه، ولم يتراجع عن تصدير كل ما «اقتناه» من مصطلحات وألفاظ وجمل وعبارات يجيد استخدامها ليظهر واعياً، بينما واقع الأمر يؤكد أنَّ أسهل طرق الابتزاز الفكري هو إجادة إنتاج خطاب مزيف لا يؤمن
 به صاحبه!!
وإنْ كان الفساد قد تمكن من التسلل الى زوايا لا حصر لها فإنَّ أسوأ ما حصل هو تسلله الى منطقة الثقافة والوعي الفكري ليؤسس خراباً مضافاً لمجتمع بحاجة الى صدق المواجهة مع شرور الذات والآخر والتغلب على لعبة الانكفاء التي صادرت
حقوق المثقف الحقيقي وجعلته ينأى بنفسه عن مناطق الصراع غير الأخلاقي الى مناطق الانزواء والصمت وذلك أضعف الإيمان الذي يستوجب واقع العراق اليوم أنْ يغادره الى مساحة الصوت القادر على المواجهة وتعرية الأقزام وتشوههم الخلقي والأخلاقي الذي تم تأسيسه في غفلة عن العراق النبيل عبر كل
 تاريخه الخالد.
«المثقف والثقافة» في عام العراق المنتهى بنزف أرواح لم ينقطع سيلها، ستحمل الأول مسؤولية المكاشفة التي تم تجميدها طويلاً لصالح الظواهر السلبيَّة حتى كادت الإيجابيَّة أنْ تصرخ ملء صوتها: «أين المثقف»؟؟