الصمت البليغ يفسر الكلام الفصيح

آراء 2020/01/01
...

عبد الحليم الرهيمي
 
قبل خطبة يوم الجمعة بيومين ، أعلن مكتب السيد السيستاني ان المرجعية لن تتحدث بخطبة يوم الجمعة المقبل عن الأمور السياسية .
وبالفعل لم يتحدث معتمدها ذلك اليوم السيد أحمد الصافي في الخطبة الثانية بعد الخطبة الاولى الوعظية ، بالأمور السياسية الراهنة ، انما قدم لها بالقول مخاطباً المصلين : أريد ان أكون في خدمتكم اليوم موحياً ان ثمة شيئاً يريد قوله ، ثم تحدث عن أهل الحكمة والعقل وضرورة الاستماع اليهم مشيراً الى ان ميزة أهل الحكمة والعقل ان يدرسوا الامر من جميع اطرافه ويقرروا بمقدار يضمن لنا سلامة الرأي ، ومؤكداً ذلك بالقول ، ان الانسان يبحث في بعض الاحيان عن مرشد وحكيم وعاقل ونصيحة ، مستدركاً القول ، بأن ليس المقصود هنا العقل مقابل الجنون ، انما المقصود ، ان هناك أناساً يمتازون بقدرتهم على تشخيص المشكلة وايجاد الحلول الحقيقية لها ، وبذلك فان المشكلة ليست في أهل الحكمة والعقل أنما في من لا يستمع لأهل الحكمة والعقل ..ان معنى هذا الكلام الواضح ربما لا يحتاج الى تفسير او توضيح اكبر وطول تأمل ، فمن تقصده المرجعية الدينية هو الطبقة السياسية الممسكة بزمام أمور البلد ، وتعمدت عدم تسمية الاشياء بأسمائها انما بطريقة (أياك أعني ) وهي واثقة من وصول الرسالة لمن وجهت اليهم ، لأنها رسالة واضحة المعنى والدلالة لمن يريد العمل بموجبها .أما أهل الحكمة والعقل والنصيحة الذين تدعو المرجعية الماسكين بزمام الامور الى الاستماع اليهم ولمشورتهم والأخذ بنصائحهم فهم اهل الحكمة والعقل الذين تأتي مرجعية السيد السيستاني في مقدمتهم ، كما يقر ويقول الجميع بذلك . ان ما دعا المرجعية الدينية لعدم الحديث المباشر في الأمور السياسية في خطبة احد الجمع ، هو لاعتقادها بأن من توجه لهم الرسائل الحكيمة والنصيحة من الممسكين بزمام الامور لا يريدون الاستماع وان استمعوا لا يريدون العمل بها لأنها تضر بمصالحهم . لا شك ، ان ما دعا المرجعية ايضاً لعدم الحديث المباشر في الامور السياسية في خطبة الجمعة الفائتة هو قولها وتكرارها في خطب ايام الجمعة الماضية لما يجب قوله وما يجب عمله والتحذير من التمادي في ارتكاب الاخطاء وعدم ادراك ما ينطوي عليه عدم الاخذ بالنصائح والمشورة من اهل الحكمة والعقل من أخطار على العراقيين والعراق .والواقع ، ان تعمد المرجعية التزام (الصمت) وعدم الحديث المباشر بالأمور السياسية الجمعة الماضي لم يكن الرسالة الاولى التي توجهها للطبقة السياسية ، انما سبقتها رسائل عدة حيث أوضحت بالقول وبصريح العبارة قبل سنوات (لقد بح صوتنا) وتوقفت بعد ذلك عن الحديث المباشر بالامور السياسية في خطب ايام الجمعة التالية ، كتعبير عن استيائها وعدم رضاها عن الاداء الخاطئ للطبقة السياسية الممسكة بزمام الامور ، وقد رافق ذلك ولا يزال ، قرارها بعدم استقبال اي من (القادة) السياسيين كتعبير آخر عن عدم رضاها لادائهم وعدم استماعهم لمشورة ونصائح اهل الحكمة والعقل .ومن المهم ، في ضوء ذلك ، التوقف عند نصوص ودلالات الخطبة الثانية (غير السياسية) للمرجعية الاسبوع
 الفائت . فاذا كانت المرجعية قد اكتفت في المرات السابقة بالقول (لقد بح صوتنا) وبعدم استقبال اي من (القادة) السياسيين دون تعقيب او توضيح اكثر من ذلك ، فانها في خطبة يوم الجمعة الفائت التي وصفت بالتزام المرجعية (الصمت) وعدم الحديث المباشر بالسياسة كان بمثابة كلام الصمت البليغ والبليغ جداً في تفسير ما كانت تقوله بالكلام العربي الفصيح في خطب الجمعة في الاسابيع والشهور الماضية ، فالكلام الفصيح الذي كانت تتحدث به المرجعية تنافق الطبقة السياسية في الادعاء الفوري والقول بحماس انها مع ما تقوله وتريده المرجعية
( وهي اسطوانة مشروخة تضعها في جيبها وتخرجها عند الحاجة ) ثم تعمل بعكس ما تقول وتتجاهل الاخذ به والعمل بموجبه . ان تعّمد المرجعية الى الاشارة بكلام (الصمت البليغ) لعدم استماع الطبقة السياسية والممسكين بزمام الامور لاي مشورة او نصيحة من اهل الحكمة والعقل ، هو بمثابة تعرية وفضح لعجز هذه الطبقة وعدم قدرتها على قيادة العراق وتجنيبه وشعبه مما يترتب على ذلك من مشاكل واحداث لا يحمد عقباها .. فهل فهمت الطبقة السياسية ما فسرت به المرجعية بصمتها البليغ ما لم تفهمه تلك الطبقة من كلام اهل الحكمة والعقل المستمر ، بالعربي الفصيح ؟ .. ان كثيرين لا يعتقدون ذلك