كُتّاب: لدينا فرصة ذهبيَّة للمراجعة في ضوء التصحيح الشعبي
آراء
2020/01/03
+A
-A
بغداد/ الصباح
هل كان عام 2019 عابراً في الزمن العراقي الدامي أم له صيغة جديدة على نحو ما بين الدماء والأفق والارادة الشعبية..؟ ما الذي يمكن وصفه لعامنا الذي مضى؟
هل كان مفصلياً منذ 2003 حتى هذه اللحظة ويعد مفترق طريق الى تداول جديد مبكر وواسع بين الشعب والطبقة السياسية بين الخدمات والمطالبات بها؟، ربما مرت الأعوام الماضية لتصل الى معقدها ومثابتها في 2019، ربما كان الزمن العراقي يتطاول ويكبو لكي ينهض في السنة الماضية ويستشرف آفاقاً أكثر فاعلية ووضوحا في الاقتصاد والسياسة والثقافة كأنّه العام الأول الذي يستعيد به شعب العراق كامل ثقته بذاته، ومن ثمّ يعيد تنظيمها مع سلطاته التنفيذية والتشريعية فيحقق كامل سيادته في أرضه.
تظاهرات.. استجابات.. استقالات
الكاتب عبدالزهرة محمد الهنداوي يقول: من حيث الساعات والأيام والأشهر، لم يكن عام 2019 مختلفا عن غيره، ولكنه كان مختلفا كثيرا في الجوانب الأخرى، وقطعا ان هذا الاختلاف، سيؤسس لواقع عراقي مختلف، يمكن توصيفه، بالمنتج السياسي العراقي الجديد، وحول هذا المنتج، يمكن رسم دائرة واسعة، تضم في داخلها الكثير من التفصيلات المهمة ترتبط بمرتكزات أخرى مهمة “اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، أمنية، سياسية، وفي داخل كل تفصيلة من هذه المرتكزات تمتد مسارات في غاية الأهمية..
ويضيف: عبر هذه المسارات المهمة، يمكننا القول، ان عام 2019، شهد انعطافة غير مسبوقة شهدها العراق، تمثلت بذلك الحراك الشعبي الواسع النطاق، حراك، اختصر الزمن، واختزل واقع الحال ورسم خريطة جديدة لماهية الحياة التي ينبغي ان يحياها العراقي، ولعل المقاربة الأهم التي يمكن ان نحتوي بها المشهد العراقي في ظل هذا الحراك، هو انها المرة الاولى التي يشهدها العراق، في ان تكون المعارضة والحكومة، كلاهما، تحت سقف الوطن، ففي الزمن الغابر، كانت المشانق، او المنافي هي مصير كل من يفكر بانتقاد الواقع المر.. ولأول مرة أيضا، يشهد العراق، استقالة حكومة جاءت من رحم الانتخابات.
ويؤكد الهنداوي: ان العام الراحل، كان حدا فاصلا بين زمنين، زمن عملية سياسية اكتنفها الكثير من الإشكالات، وزمن التصحيح الشعبي، بعد أن قال الشعب كلمته من دون الحاجة إلى الدبابة او المدفع، وهذه احدى اهم الاثافي التي سيرتكز اليها الوطن في المقبل من أعوامه، ونستنتج أيضًا، ان المحركات الخارجية، لم تعد تمتلك المساحة الكافية لدوران عجلاتها المسننة في الجسد العراقي، فقد باتت تلك المساحة تضيق وتضيق، والاستنتاج الأهم، هو ان مبدأ (الشعب مصدر السلطات) مازال فاعلا، ولم يتوقف العمل به، كما شاع في العقود الأخيرة، تحت عناوين ومسميات مختلفة، وقد اثبت العراقيون، بما لا يقبل الشك، انهم خير من فعّل العمل بهذا المبدأ السامي، المؤطر بإطار دستوري، وليس مطلقا للفوضى، كما سعى البعض إلى حرف مسارات الحراك الشعبي نحو وجهات أخرى!
فرصة ذهبيَّة للمراجعة
الكاتب والسفير السابق لقمان عبد الرحيم الفيلي يعتقد أنّ في تشرين الاول من هذا العام، قد تغيّرت قواعد اللعبة السياسية العراقية لأول مرة منذ العام 2003، ومع غياب اية طريقة واضحة للتغلب على الازمة الحالية، فإنّ ذلك يمثل خطراً حقيقياً على النظام السياسي والذي يعني انزلاق العراق نحو المزيد من الفوضى السياسية (والاجتماعية لاحقاً)، ولربما الى التفتت المجتمعي (ولا أقصد التجزئة الجغرافية).
وممكن جداً ان يصبح العراق دولة تستعمل القوة فقط لحل مشكلاتها نتيجة الحاجة الى فرض
القانون على حساب أمور اخرى وبضمنها الديمقراطية الوليدة. مدركين منذ زمن ان الحراك السياسي العراقي في هذا الموضوع في الأعم الأغلب غير منتج، ولا يستجيب لتحديات حراجة الموقف وخطورته.
ويستدرك الفيلي قائلا: التفاؤل سيأتي عندما نعرف ان قواعد اللعبة السياسية قد تغيرت نحو الأحسن، والا كيف نريد لقواعد لعبة لها المدخلات نفسها تحت العملية التفاعلية نفسها وتأتينا بمخرجات مختلفة.
اذ لا يمكن رسم سياسة حكومية رصينة وفعالة في هذا الموضوع الحيوي من دون تغيير المدخلات وديناميكية صنع القرار، وهنا من الضروري السعي لتشكيل مراكز فكر تدرس الحالة من جميع جوانبها وتعطي اصحاب القرار خيارات سياسية واضحة. اذ لم يعد احتمال العودة إلى الاوضاع قبل تشرين الاول 2019 امراً وارداً، والازمة السياسية الحالية غير قابلة للإدامة، والوضع الراهن هش ويجب أن ينتهي.
ويتابع: الأزمة الحالية توفر فرصة ذهبية لمراجعة أداء الاقتصاد والمنظومة السياسية العراقية مع الحدث، اذ مع خطورتها فهي تعطي ايضاً غطاءً
وشرعية واضحة للمبادرة وقيادة الحكومة في اصلاح الجسد العراقي المنهك.
نعم إنه تحدٍّ كبير واكثر من ان يكون تهديداً ولكنه ايضاً فرصة
لبناء البيت العراقي بعيداً عن ضغوطات الخارج وامتداداتها داخل العراق.
ويختتم لقمان الفيلي حديثه:
وفي ظل الأوضاع الحالية التي يعيشها العراق، نقول إنّه هناك حاجة الى حوارات مستمرة لقادة الكتل السياسية العراقية للوصول الى خارطة طريق بشأن
منهجية ابعاد العراق من هذا الصراع المزمن، هذه اللقاءات يجب ان
تكون على مستويين سياسي وأمني.
وعليه هناك حاجة الى تشكيل خلايا ازمة متعددة، سياسية وعسكرية وتنفيذية وعلى مستوى عال لإدارة المشكلات، على ان يتم التنسيق بينها من خلال مطبخ عراقي واحد لصناعة القرار لمنع حدوث أي خروقات داخلية عراقية.
عام بدايته
ملل وختامه جدل
أجاب الكاتب والاعلامي حمزة مصطفى: لم يكن عام 2019 عاما عابرا في الزمن العراقي
طبقا لسؤال (الصباح).
بدايته كانت عبارة عن أزمة مدورة من بداية تشكيل الحكومة التي لم تكمل عامها الأول حتى
بالشافعات.
كان الجدل الذي وصل حدَّ الملل بين الكتل السياسية على مفهوم الكتلة الأكبر.
تحالفا «الاصلاح» و«البناء» لم يتمكنا من إصلاح أي شيء فضلا عن بنائه. اختلفوا حول من له الأحقية في أن يكون هو الكتلة الاكبر بخلاف الآخر.
ثم سرعان ما استسلم كلا التحالفين لإرادة كتلتين منه هما «سائرون» و«الفتح» للمجيء برئيس وزراء توافقي (عادل عبد المهدي) كان قبل بضعة شهور من تكليفه أبلغ الجميع أن «الشروط غير متوفرة». جاء الرجل وتحمل المسؤولية وصدق توقعه.
ويضيف: لم يكن شرطا واحدا ممن كان قد تخوف منه تحقق. ألقوه في اليم مكتوفا وقالوا له «إياك إياك أن تبتل بالماء».
الخلافات بينهم وصلت حد الملل بحيث لم يعد المواطن العراقي يطيق سماع نغمة التحالفات مرة والتوافقات مرة اخرى وقبلها المعزوفة التي حاولوا إقناع أنفسهم بها لا الشارع وهي «العراق أكبر من الكتلة الأكبر».
يتابع مصطفى: بدأت التظاهرات نهاية العام وبدأ المشهد بالتعقيد شيئا فشيئا. لم يكن ماحصل متوقعا.
جميع القوى والكتل والأحزاب بدأت أمام ورطة كبيرة عنوانها انتفاضة جماهيرية غيّرت كل المعادلات ولم يعد ينفع معها محاولات الترقيع أو ركوب الموجات. لكن الكتل والقوى والاحزاب التي ثبت انها غير قادرة على التعامل مع حدث من هذا النوع استمرت في سياسة الترقيع عسى ولعل حتى وصل الأمر بها الى إعادة الحديث عن الكتلة الاكبر لكن هذه المرة لم يعد أحد منهم قادرا على القول ان العراق أكبر من الكتلة الأكبر.
ويختتم مصطفى كلامه:
العراق أصبح من حق ساحات التظاهر.
قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. لم يعد أمام الجماعة سوى الاستسلام لقدرهم في نهاية عامهم هذا الذي اختتموه بالجدل حول المرشح المقبول من غير المقبول بعد أن مللوا الشارع بداية العام من حكاية هل تستمر الحكومة أم لاتستمر؟. ولم يعيشوا عشية سعيدة.