لبنان يواجه أزمة سياسية واقتصادية خانقة

بانوراما 2020/01/03
...

بن هوبارد
ترجمة: خالد قاسم
أغلقت المصارف اللبنانية أبوابها مؤخرا لحماية الموظفين من الزبائن الغاضبين المطالبين بأموالهم، ولذلك وجهوا غضبهم نحو مكائن الصراف الآلي خارجا اذ ترفض هذه المكائن دفع الأموال ايضا بغض النظر عن مقدار مبالغ الأرصدة البنكية.
بعد أكثر من شهرين على التظاهرات الشعبية المنتقدة للنخبة السياسية اللبنانية بسبب الفساد وسوء الادارة، بقيت المشكلات الاقتصادية طويلة المدى هي التي تصطدم بالحياة اليومية للمواطنين. وتستخدم العملة الأميركية جنبا الى جنب مع الليرة، لكن الدولار شح توفره لوجود مخاوف من الفوضى السياسية مما دفع الناس لمحاولة سحب أموالهم. ولذلك يعاني أصحاب العمل من دفع الرواتب ويعاني المستأجرون من دفع بدلات الايجار وكذلك التجار يعانون من دفعهم أثمان السلع والخدمات المستوردة.
يقول اقتصاديون ومحللون إن الشعور بالراحة يبدو بعيد المنال، فالمشكلات الأساسية تنمو منذ فترة طويلة الى درجة لا يمكن علاجها الّا بسياسات طويلة المدى تسبب الألم. ويتطلب تطبيق هذه المبادرات حكومة قوية والتي تفتقدها لبنان. فقد اندلعت التظاهرات يوم 17 تشرين الأول الماضي بعد اقتراح الحكومة أنها قد تزيد الايرادات عبر فرض ضريبة على مكالمات خدمات الانترنت مثل واتساب. وكان الاقتراح بالنسبة لكثير من اللبنانيين يعد اهانة لأن قادة البلاد يحاولون استغلال مكالماتهم لدعم الدولة ماليا بعد عشرات السنين من السرقة وسوء الحكم.
استمرت الاحتجاجات منذ ذلك الحين عبر حركة بقيت الى حد كبير من دون قيادة، اذ تراوحت المطالبات بين اصلاحات اقتصادية الى محاكمات للسياسيين الفاسدين والاطاحة الكاملة بالطبقة السياسية.
 
مهمة شاقة
أكبر انتصارات المحتجين حتى الآن هو استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري يوم 29 تشرين الأول الماضي، وجرى حديث عن اتفاق الأحزاب السياسية الكبيرة على ترشيح محمد الصفدي وزير المالية السابق لخلافته لكنه انسحب من الترشح. ثم تم ترشيح حسان دياب وزير التعليم السابق وبدأت مشاورات التأليف بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عبر الغوص المعمق في اسماء الوزراء المرشحين دون التوصل الى تحديد تاريخ محدد لاعلان تشكيل الحكومة ولا يبدو أن حكومة الرئيس المكلّف حسان دياب ستُبصر النور قريبا، فالولادة لا تزال عالقة في التفاصيل، سواء في شكل الحكومة أو طبيعة الوزراء وأسمائهم. وحالت التباينات بين السياسيين دون ولادة حكومته. إذ لاتزال بعض التعقيدات تعترض مسارها، ما يؤشّر الى أن التسلّم والتسليم بين حسان دياب ورئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري سيؤجّل مع وقت مفتوح. تتطلب عملية تشكيل حكومة في لبنان شهرا على الأقل ومن غير الواضح حجم الدعم الذي سيحظى به أي مرشح. وبشكل عام، فإن أية حكومة جديدة لا تمتلك تأييد المحتجين ستعاني لتطبيق سياسات ذات مغزى، كما يقول مايكل يونغ المحرر الأقدم بمركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت.
اضافة الى تخفيف وطأة الأزمة السياسية الفورية للبلاد، فإن على الحكومة الجديدة التعامل مع مشكلات اقتصادية ذات جذور عميقة تتفاعل منذ سنين، وبالتالي تركت المواطنين عاجزين عن سحب أموالهم من المصارف.
استخدم اللبنانيون لأكثر من عشرين سنة الدولار الأميركي والليرة اللبنانية، وهو سلوك أتاحته سياسة البنك المركزي التي أبقت سعر الصرف ثابتا عند 1500 ليرة للدولار تقريبا، واستخدمت العملتان في التعامل مع متطلبات الحياة اليومية، لذلك كان شائعا تسديد ثمن وجبة طعام، أو سيارة أجرة بالعملة الأولى وتلقي المتبقي من الفكة بالعملة الثانية، أو بخليط منهما.
لكن الحفاظ على ذلك السعر تطلب باستمرار جلب دولارات جديدة الى البلاد، وجرى ذلك عادة عبر جذب المستثمرين الأثرياء لتوفير ايداعات كبيرة بالدولار مقابل أسعار فائدة مرتفعة، وهي ستراتيجية قارنها بعض الاقتصاديين مع مخططات الاحتيال.
استمرت هذه السياسة طيلة سنوات طويلة، لكنها تعرضت لضغط شديد خلال الأعوام الأخيرة، لأن البنك المركزي كان عليه احترام أسعار الفائدة العالية التي وعد بها، في الوقت الذي تسببت الاضطرابات الاقليمية بهروب عدة مستثمرين جدد. واتسعت بمرور الوقت الفجوة بين ما كسبه المستثمرون على الورق والمال الحقيقي لدى البنك المركزي.
 
هروب الأموال
لا تتوفر أموال كافية من العملة الأجنبية مع زيادة طلب المستثمرين الأثرياء وزبائن البنوك من الطبقة الوسطى، وأضعف ذلك الصلة بين الدولار والليرة التي تراجعت قيمتها في السوق السوداء وقوضت الثقة بالمصارف.
حتى قبل بدء التظاهرات تم سحب نحو ثلاثة مليارات دولار من المصارف اللبنانية، بحسب تصريح محافظ البنك المركزي رياض سلامة، وسحب ملياران آخران بعد اعادة فتح المصارف في أعقاب أول أسبوعين من الاحتجاجات.
أكد سلامة على أن الودائع محفوظة بأمان ولا توجد قيود رسمية على سحوبات الدولار، لكن مصارف كثيرة فرضت حدودا غير رسمية تتغير بكثرة وغير معلنة على الملأ. ومع تزايد الغضب بسبب هذه القيود، بدأ موظفو المصارف اضرابا مفتوحا قائلين أنهم بحاجة للحماية من الزبائن الغاضبين. 
ومع اغلاق المصارف توقف الكثير منها عن توزيع الدولارات عبر الصراف الآلي ووضعت قيود جديدة على الديون وتعاملات بطاقات الائتمان. 
واختفت بعض المنتجات الأجنبية من رفوف الأسواق، ونفد الوقود من محطات التعبئة مؤخرا، حتى تدخلت الحكومة لأجل تحفيز تجار الوقود على دفع وارداتهم.