كان العراق حتى وقت قريب من أكبر المستوردين للقمح في منطقة الشرق الأوسط، إذ يحتاج الى نحو 4.5 ملايين طن من القمح سنوياً، وكان حتى العام 2018 يستورد نصف احتياجاته من هذه السلعة الأساسيَّة، إلا أنه استطاع أنْ يصل الى مستوى الاكتفاء الذاتي في العام الماضي، بعد إنتاج نحو 4.75 ملايين طن بفضل جهود المزارعين ودعم الجهات ذات العلاقة وغزارة الأمطار في مواسم الاستزراع.
بينما يحتاج الى نحو 450 ألف طن من لحوم الدواجن سنوياً بحسب وزارة التخطيط، وبفضل جهود المنتجين استطاع أنْ يؤسس لاكتفاء ذاتي نسبي عدا إنتاج المقطعات، وفي ذات السياق، أعلنت الجهات ذات العلاقة سد حاجة السوق من إنتاج بيض المائدة، بينما أعلن تحقيق الاكتفاء الذاتي في غلة خمسة عشر منتجاً من الخضراوات الأساسيَّة، وهكذا كان العمل وما زال متواصلاً بشأن حاجة السوق المحليَّة من إنتاج الأسماك واللحوم الحمراء، ما يعني أنَّ القطاع الزراعي استطاع النهوض من كبوته بما يؤسس لوجود أمن غذائي نسبي بفضل جهود العاملين في هذا القطاع والجهات ذات العلاقة.
ولكنْ ماذا بشأن حاجة السوق المحليَّة من المنتجات الصناعيَّة، ومنها الغذائيَّة والكيمياويَّة والدوائيَّة والتحويليَّة وسواها من السلع الاستهلاكيَّة، إذا ما استثنينا حاجة السوق من السلع الكهربائيَّة والمعمرة والمعدات والتجهيزات المستخدمة في الحلقات الساندة للقطاعات الإنتاجيَّة والتي تحققت فيها الوفرة عن طريق الاستيراد خلال السنوات الماضية بما يكفي لسد حاجة الطلب المحلي لسنوات إذا ما تداعت ملامح التوترات التي تشهدها المنطقة الى مستوى الحرب. لقد كان الطموح أنْ يرتقي معدل الإنتاج في القطاع الصناعي الى مستوى الحد الأدنى من حاجة السوق، وبما يسهم في تشغيل الأيدي العاملة ووضع حدٍ لتدفق العملة الصعبة بمعدلات كبيرة الى الخارج. بيد أنَّ الهدف الأسمى كان وما زال مرتبطاً بتحقيق حاجة الطلب المحلي من السلع الأساسيَّة، في حال تعرض البلاد - لا سمح الله - لأي ظرف طارئ جراء التوترات السياسيَّة والأمنيَّة التي تشهدها المنطقة منذ سنوات، وما يرتبط بهما من تداعيات داخليَّة. الآن باتت الحاجة للإنتاج المحلي أمراً ملحاً وضاغطاً، بعيداً عن الطموحات والأحلام غير الواقعيَّة المتعلقة باستقطاب الرساميل الأجنبيَّة. فبعد التداعيات الأخيرة التي شهدتها بلادنا وازدياد حدة التوتر في المنطقة التي جعلت احتمالات الحرب بين الإرادات الأجنبيَّة أكثر وضوحاً، وأكثر قرباً من بلادنا، بات النظر في توظيف الإمكانيات الذاتيَّة أمراً مهماً وملحاً، من خلال تقديم الفرص الاستثماريَّة للقطاع الخاص مدعومة بالتسهيلات المصرفيَّة والضريبيَّة، وبما يلزم هذا القطاع في إطار جدول زمني للإنتاج بحسب طاقة المشروع في الفرصة الاستثماريَّة المتاحة، وهنا يمكن أنْ نوظف الأزمة للخروج من حالة الركود الاقتصادي، ونعيد الثقة بالطاقات الوطنيَّة دون الاتكاء على ترنيمة جذب الاستثمار الأجنبي في هذا الوقت على أقل تقدير.