الــتـصــحــّر يجتــاح غـــرب الهــنــد

بانوراما 2020/01/06
...

ريشيكا بارديكار

ترجمة: بهاء سلمان
في موسم الرياح الموسمية، ينقسم المزارعون في منطقة ماهاراشترا ديول الهندية بين تأملهم بتساقط الأمطار والخوف الشديد منها، فالأرض القاحلة تحتاج الى الماء، لكن مع تزايد انحلال التربة الجافة بشكل غير مسبوق، ربما ستعمل مياه الأمطار على تآكل الأرض الزراعية الضحلة التي تبقى وتدمر النباتات القليلة التي لاتزال صامدة وقادرة على النمو هناك.
وتتحوّل نحو 45 بالمئة من أراضي المنطقة الى صحراء، لتمثل مساحات ضخمة من الهند. حالة انحلال التربة، وهي العملية التي تفقد بها الأرض انتاجيتها وقدرتها على دعم الحياة النباتية، يكون المتسبب بها عادة التغيّر المناخي أو النشاط البشري، أو كلاهما معا. وعندما تنحل الأرض في الأراضي الجافة، تحصل حالة التصحر، والتي تتسع خطواتها كثيرا، فهي تحدث حاليا بمقدار متضاعف يصل الى 35 مرة من المعدل التأريخي، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
يضرب التصحّر أكثر من 204 ملايين هكتار، تتمركز غربي البلاد. وتوصلت تقديرات العام الماضي الى أن حالة انحلال الأرض لوحدها تكلّف الهند نسبة تفوق الإثنين بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي. وبحسب مؤشرات الأمم المتحدة، فإن خمسين مليون انسان عبر العالم يجابهون خطر الترحيل عن مناطقهم في العقد المقبل بسبب التصحّر. ووفقا لتقرير خاص أصدرته اللجنة الدولية للتغيّرات المناخية شهر آب الماضي، فقد أثر التصحّر على المناطق المأهولة بالسكان لنحو 500 مليون فرد منذ ثمانينيات القرن الماضي.
 
استغلال الأمطار
خلال أيلول الماضي، عقدت لجنة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر اجتماعها الدوري، الذي يعقد مرة كل سنتين، في مدينة نويدا الهندية، اذ ناقش قادة العالم والمنظمات الدولية كيفية محاربة التصحّر وانحلال الأرض والجفاف. وخلال ذلك الاجتماع، دعا أعضاء لاستعادة الأراضي المنحلّة عبر تأسيس حركة عالمية. ومع ذلك، ربما تكمن أغلب الأجابات الفورية في المعرفة التقليدية، ففي الهند، يهتم بعض المنهمكين في مكافحة التصحّر بصحراء طهار الفاصلة بين الهند وباكستان، فمع وجود 133 فردا لكل ميل مربع، تعد هذه الصحراء الأكثر مأهولة بالسكان من صحارى العالم. ويمكن أن تصل درجة الحرارة الى خمسين درجة مئوية، وتتحرّك الرياح بسرعة تصل الى أكثر من 57 كيلومترا بالساعة؛ وتتلقى أكثر المناطق جفافا في المنطقة أقل من عشرة سنتمترات من الأمطار سنويا.
تقع على حافة الصحراء قرية لابوريا، وهي موطن لـ 2500 شخص يسندون أنفسهم من خلال مزيج من أعمال الزراعة وتربية الماشية. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، صارت القرية معروفة بزراعتها لمحاصيل تعتمد على مياه الأمطار، سمحت لساكنيها البقاء على قيد الحياة اعتمادا على كميات قليلة من مياه الأمطار، تراوحت ما بين 25 الى 50 سنتميترا من مياه الأمطار سنويا. يقول لاكسمان سينغ، رئيس غرام فيكاس لابوريا، المنظمة غير الحكومية المركزة جهودها على ادارة الموارد الطبيعية ضمن التجمعات السكنية لولاية راجاستان منذ الثمانينيات: "خلال سنة 1977، حصلت هنا حالة جفاف شديدة، وهذا عندما كنا نبدأ باقامة نقاشات مع الناس حول المنطقة. كانت أعداد منظمتنا لا تزيد عن عشرين فردا، ومع شروعنا بالخطوة الأولى، بدأنا استعادة برك الماء في المنطقة."
استعاد السكان البرك القديمة، وأوجدوا بركا جديدة من خلال تمييز الأرض بوسائل تكشف الحجارة تحت الأرض ومناطق حفر مستجمعات المياه. بعد ذلك، تم تصنيف برك الماء وفقا للاستخدام، إذ خصصت بركتان لأغراض اعادة ملء المياه الجوفية، وثالثة لإرواء الحقول الزراعية. وشيّد القرويون قنوات وسدوداً صغيرة لحجز مياه الأمطار الضئيلة الكميات، وتوجيهها نحو البرك؛ وفي بعض الحالات، تمت زراعة الأشجار بالقرب من البرك لتثبيت التربة، وتوفير الظل لسكان القرية.
حلول محلية
وتعمل مساحات مستطيلة الشكل، يطلق عليها محليا "تشاوكاز"، على خزن المياه خلال فترة الرياح الموسمية، تتراوح أبعادها من ستين مترا عرضا وبطول 131 مترا، ورتبت بشكل متعرّج عبر أراض مشتركة. وتعد هذه المساحات المائية مهمة للغاية لحجز جريان المياه وتخزينها بغية استخدامها خلال فترات الجفاف. يقول سينغ: "أثناء الرياح الموسمية، تمتلئ البرك، وتتحسن ظروف البيئة المحلية لأن المياه الجوفية قد أعيد ملؤها، مما يمكن الناس من ارواء حقولهم 
الزراعية."
وبأعقاب النجاح الذي حققه نظام تشاوكاز في قرية لابوريا، عمد ثمانية آلاف فرد يسكنون 58 قرية مجاورة الى تبني أنظمة مشابهة. "بشكل تقليدي، كان الماء مسألة تعمل التجمّعات السكانية على حلها بأنفسها،" كما يقول ماوليك سيسوديا، المدير التنفيذي لمنظمة غير حكومية تعمل على تعزيز نماذج الحكم الذاتي بمستويات محلية عبر القرى في كامل البلاد، ويضيف: "تخزين مياه الأمطار هو الحل الأفضل للتكيّف مع التغيّر المناخي والتخفيف من آثاره."
الأمر لا يتعلّق فقط بالتكيّف، فمثل هذه الوسائل الفنية يمكنها بشكل كبير قلب حالة انحلال الأرض، إذ يشير الخبراء الى أن استعادة انحلال الأرض تعتمد بشكل أساس على الاحتفاظ بالمياه واعادة تشجير المناطق متى ما يكون الأمر ملائما لذلك. وبينما تعاني راجستان من أعلى نسبة من انحلال الأرض في كامل الهند، فقد كانت أيضا واحدة من أربع ولايات انخفضت فيها نسبة تأثر الأرض للسنوات ما بين 2003 و2013. يقول سيسوديا: "هذه الحلول نجحت من ناحية الاستغراق الزمني وتوجيه السكان لها، وهي تلبي احتياجيات كل من التجمعات السكنية والأرض."
مجلة اوزي الأميركية