استسلام الولايات المتحدة أمام ترويض الأعاصير

بانوراما 2020/01/06
...

ترجمة: مي اسماعيل 
عادة ما تكون الولايات المتحدة ومنطقة الكاريبي هدفا لعواصف مدارية عنيفة، تتشكل غالبيتها في المكان نفسه بالضبط قبالة ساحل افريقيا الغربي. تسبب تلك العواصف (كما اعتادت منذ عقود) أضرارا بالغة؛ رغم وجود فكرة ذات يوم أن التدخل البشري يمكن أن يخفف منها. من المتوقع أن ينتهي موسم أعاصير الأطلسي هذا العام خلال اسبوعين فقط؛ بعدما تسبب الاعصار "باري" بأضرار وصلت نحو ستمئة مليون دولار في لويزيانا، بينما فاقت أضرار الاعصار "دوريان" ثمانية مليارات دولار في البهاما. 
من المرجح أن نحو 85 بالمئة من أعاصير الأطلسي العملاقة تبدأ تشكلها قبالة ساحل افريقيا الغربي؛ حينما يمتزج الهواء الحار الجاف من الصحراء مع الأجواء الأكثر برودة ورطوبة الى الجنوب مباشرة عند خليج غينيا. بلغت تلك العواصف من شدة التدمير حدا يبدو أنه استقطب انتباه الحكومة الأميركية وعلمائها. وتسربت خلال فصل الصيف المنقضي تقارير غير مؤكدة أن دونالد ترامب غازل فكرة استخدام الأسلحة النووية لتشتيت (أو خلخلة) الأعاصير. 
رغم أن فكرة تحويل إعصار هائل الى أعصار نووي هائل ليست بالتأكيد فكرة مطروحة للدراسة، وقدّمت "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" صفحة بأكملها على الانترنت مخصصة لإثبات عبثية هذا الأمر؛ فأن الولايات المتحدة أجرت في الماضي تجاربا لترويض الأعاصير، وإن باستخدام أساليب أكثر أمنا حين الفشل!  
 
مشروع {سيروس}
حاول العلماء منذ أربعينيات القرن الماضي إضعاف قوة الأعاصير؛ حينما بدأت عمليات "الاستمطار-clouud seeding " (= طرق متعمدة لتعديل الطقس، ومحاولة لتغيير كمية أو نوع هطول الامطار من الغيوم ؛ بتشتيت مواد في الهواء تعمل لتكثيف الغيوم أو لتكون نواة جليدية للغيوم.  المترجمة). تقوم الفكرة على نشر مواد كيمياوية (منها- الأملاح والثلج الجاف والبروبان السائل أو يوديد الفضة) في الهواء لتسهيل تجمد السحب فائقة البرودة من بخار الماء وتحولها الى ثلج.  نفذ الجيش الأميركي بالتعاون مع شركة "جنرال أليكتريك" أول محاولة لتغيير الاعاصير في ما عرف بمشروع "سيروس- Cirrus"، في شهر تشرين الأول سنة 1947. كانت فكرته تتلخص بإسقاط الثلج الجاف في "جدار عين الاعصار- eyewall" (جدار العين: الموقع داخل الإعصار حيث الرياح الأكثر ضررًا والأمطار الغزيرة. المترجمة)؛ إذ يمكنه إطلاق ما يكفي من الحرارة لتخفيف شدة الاعصار. 
بعدما ألقت احدى طائرات البحرية الأميركية نحو تسعين كيلوغراما من الثلج الجاف في مركز إعصار (لم يحمل اسما) يتحرك بمحاذاة سواحل فلوريدا وجورجيا؛ لكنه غيّر مساره بشكل مفاجئ وهبط في جورجيا، مسببا خسائر بلغت نحو ثلاثمئة مليون دولار (بقيمة عملة اليوم). لم يكن واضحا هل أن مادة الاستمطار هي التي غيرت مسار الاعصار؛ لكن حماسة الرأي العام لتعديل الجو خفتت، وبرزت تهديدات برفع دعاوى قضائية للتعويض؛ لذا أُوقف المشروع. لكن تحليلا علميا للموقف جرى بعد عقد من الزمن كشف أن تغير مسار العاصفة المفاجئ كان سببه الرياح وليس مادة الاستمطار. وبعد سنوات 1954 و1955 العاصفة، عيّن الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور لجنة خاصة لدراسة قضية تحويل العواصف.  
 
مشروع {ستورم فيوري}
عند مطلع الستينيات وِجِدَ أن يوديد الفضة هي المادة الكيماوية الأكثر فاعلية لعمليات التحويل الجوي، لذا استخدمت في تجارب للسيطرة على الاعاصير. 
ففي سنة 1961 ألقت طائرة "ب-17" القاصفة تلك المادة على اعصار "إيستر" أثناء تجربة استهلالية لما سيُعرف بمشروع "ستورم فيوري- Stormfury" في السنة اللاحقة. 
بدا أن اعصار إيستر يضعف بنحو عشرة بالمئة بعد تلقيه تلك المادة؛ لكن قوته تجددت لاحقا. لكن التجربة اعتُبِرت ناجحة على كل حال؛ وقادت الى مسيرة عشرين عاما للمشروع. 
استمر المشروع (الذي أطلقته البحرية الأميركية ومكتب الطقس، الذي بات معروفا الآن باسم {خدمة الطقس الوطنية}) حتى سنة 1983؛ لكنه لم يجرِ تجارب مماثلة الا على أربعة أعاصير؛ إذ إفتقد للعواصف المرشحة الكافية! أما محاولات الاستمطار خلال سنوات 1963 و 1969 فقد أدت لإنخفاض شدة الرياح المستمرة المصاحبة للإعصار بنحو درجتين؛ لكنهما لم يقودا لنتائج حاسمة في كلا الحالتين. 
جرت آخر رحلة طيران تجريبي سنة 1971، ثم إعتُبِر مشروع "ستورم فيوري" فاشلا حينما انتهى بعدها بنحو 12 سنة. 
يُعزى سبب إنهاء المشروع غالبا إلى مشاهدات جديدة متعددة حول ديناميكية الأعاصير؛ كشفت ان الاعاصير التي خضعت لتجارب التحويل مرت بتغيرات مألوفة في جدار عين الاعصار تماثل ما مرت به أعاصير لم تخضع للتحويل؛ مما ألقى شكوكا على فرضيات {ستورم فيوري} الأساسية المتمثلة بأن المواد الكيمياوية قادرة على إضعاف قوة 
الأعاصير. 
 
{سالتر سينك}
اليوم نُبذت تقنيات الاستمطار؛ لكن المتوقع أن توفر مياه الأطلسي الدافئة موقعا لنشوء المزيد من الأعاصير المدمرة في السنين المقبلة؛ لذا سيكون على العلماء البدء بهندسة طرق جديدة لتحوير تلك الأعاصير.. وقد بدأ بعضهم بالفعل بذلك.. تدعي شركة {المشاريع الفكرية-Intellectual Ventures} الخاصة (ومقرها سياتل بالولايات المتحدة) أنها طورت وسيلة لقمع الأعاصير سمّتها "سالتر سينك-Salter Sink"؛ وهي أساسا شبكة من مضخات ضخمة تُشغّلها أمواج المحيط، تدفع المياه الساخنة عميقا الى الأسفل نحو المياه الباردة. 
وحينها تبرد تلك المياه بينما ترتفع الى السطح، لتساعد على إضعاف الاعصار. 
تقول الشركة أن تلك التقنية أحرزت نتائج أولية مثيرة للإهتمام؛ لكن أبحاثا إضافية مطلوبة لإيصالها الى التطبيق الواقعي.
 
موقع 
سبوتنيك
 الروسي