{ليالي الغريب } ومحاولات التجديد

ثقافة شعبية 2020/01/07
...

ريسان الخزعلي

الشاعر / حامد العبيدي / من شعراء القصيدة الشعبية الحديثة ، أصدر مجموعته الشعرية الوحيدة ( ليالي الغريب ) عام 1968..، وقد كان صوتاً شعرياً مدينيّاً ، أي أن لغته لغة الشارع والعمل والبيت والمقهى والتداول اليومي ، وما كان له قدر كافٍ من الاطلاع على اسرار لغة / لهجات الريف العراقي كي يُكسب قصيدته طراوة ً وسيولة ً تتناسب مع محاولاته الجديدة في الشعر الشعبي العراقي .
 يقول العبيدي في مقدمة مجموعته : لغتي في قصائدي هنا هي لغة حياتي اليومية ، لقد اخترتها لأنها أكثر التصاقاً بوعيي ، ولكي أكون أكثر صدقاً في التعبير عمّا أحسه ُ وأعانيه . ومثل الاشارة هذه تدلُّ على حقيقة اعتراف لغوي ، كان لها أن تكون أكثر فنيّة ً لو أدرك الشاعر في حينه ، أن اللغة اليومية – لغة الكلام التداولي – لا تصح أن يُكتب بها الشعر مباشرة ً قبل الالتفات الى ماهو شعري وغير شعري في طبيعة مفردات هذه اللغة ونسيجها الداخلي ، رغم أن للشاعرية دوراً كبيراً في تطويع أية مفردة شعريا ً ، الّا أن العبيدي تعامل مع اللغة / اللهجة تعاملاً كلامياً وبطريقة الحكي ، مما جعلها تنوء بهذا الحكي :
دم باقي مال العام متجمد على العنبار والحارس ثمِل .. لجنود وعيون الفجر والسيف والسياف معبس ينتظر، إيديهم إعله اكَلوبهم واحد صرخ جانه الربيع إو وشّل العنبار والآفه إو أميرتنه الحزينه اتلوب يامولاي تأذن بالسفر..مولاي أميرتنه ابخطر .
في المحاولات التجديدية ، كان العبيدي من اوائل الشعراء الذين أسهموا في : كسر الشكل التقليدي / العمودي ، استخدام الاساطير الشعبية العراقية ، توليد القصيدة المقطعية ذات الترقيم العددي ، تنوّع المواضيع ، الإفلات من الحسيّة الرومانسية ، الكتابة في التجربة الحياتية الوجودية ، تشكيل عناوين القصائد بأنماط عنونة كتلك التي في القصائد الحديثة - العربية والعالمية ، التقفية الخارجية والداخلية ، وإظهار الوعي الفكري والثقافي :
وحدي اهناك ..اباوع تنكسر نظراتي عالجدران ، إو تسيل النظره عالجدران ، تخط ادروب ما أعرف نهايتها إو بدايتها ، درب منّاه ..درب منّاك . صوره اهناه إوصوره اهناك ، إوتكبر صورة النظرات بعيوني..واتروح الصور واتغيب ، أشوف اللون نفس اللون ، نفس الكَهوه نفس الناس ، نفس الشارع التعبان .
" ليالي الغريب " التي صدرت قبل خمسين عاماً ، ما زالت تحتفظ بقوة حضورها وأهميتها لأن الشعر فيها قد كُتب بفاعلية التجربة والموهبة والثقافة ، وبموازاة مع شعراء الموجة التجديدية بعد التجربة النوّابية ، ومن الدقّة ، أن نقول بأنه من الشعراء الذين لم تلفحْهم رياح النواب 
كثيراً :
أريد اخلَص..تعب جفن السهر وانساب حزن الليل ، ينحر دمعة الايام عالود ابثكَل همّه . أريد اخلص ، ليالي الصبر ماتمنح جفن نور ابتسامه اتطرز الظلمه . أريد اخلص واخلص الحلم من حلمه ، واخلص الكَمر من ظلم الليالي البيض والنجمه...كلمن ملتهي ابهمَّه .
إنَّ صمت الشاعرفي الثمانينيات وما تلاها له ما يبرره ، حيث الموقف السياسي بالضد من كل ماحصل ، ورغم الصمت ، فما زلنا نتذكر قصيدته ( بائع الفول السوداني ) المنشورة في المجموعة المشتركة ( قصايد للوطن والناس ) وبعض قصائد لاحقة في جريدة الراصد السبعينية وغيرها ، وهي بمجملها تُمثّل امتداده وتواصله النسبي .
 " ليالي الغريب " كانت محاولة في التجديد ، محاولة تستحق التذكير بها وبشاعرها ، ولعل الاشارة هذه تُثير كوامن الشاعر كي يطالعنا بمكنوزاته ، بعيداً عن قوله :
ضاعت ابدرب الهجر ضحكات ماضينه
إو برد الحزن يا عشكَ ثلّج ليالينه ...ما جنَّه ندري الفرح موسم يجي إو يبتعد..من رحت حتى الأمل تيّه أغانينه .
الشاعر / حامد العبيدي / يشترك مع شعراء الستينيات في التجربة الشعرية ، حيث الهم الوجودي والخيبة والانكسارات والتطلع الثوري والتفاعل مع التحولات العالمية في الفكر والفلسفة والابداع..، من هنا كانت / ليالي الغريب / صورة لتلك المرحلة ...