د. كريم شغيدل
لا نقول بأنّ الأميركان قد أخطأوا التقدير، بل تعمّدوا خلط الأوراق على ما يبدو، فما ارتكبوه يعد جريمة منكرة بكل المقاييس الدولية والأخلاقية، وخرقا صارخا للاتفاقيات الأمميّة وعلاقات المجتمع الدولي والأعراف الدبلوماسية، وهي بهذا العمل وضعت نفسها كما وضعت العراق في موقف محرج، مستغلة الأوضاع المربكة التي يعيشها في ظل استقالة الحكومة، أميركا لم تراعِ ما يربطها بالعراق من مصالح أمنية واقتصادية مشتركة، ولم تحترم ما بينها وبين العراق من اتفاقية إطارية واستراتيجية، ولم تحترم القوانين الدولية، فإن كانت لديها مشاكل مع الجارة إيران أو مع أشخاص معينين يفترض أن تعالج ذلك خارج العراق، لا أن تزج به في أزمة هو في غنى عنها.
لقد قامت القوات الأميركية بقتل قادة الإرهاب كأسامة بن لادن والزرقاوي والبغدادي وهي تمتلك المسوّغات والحجج، فهؤلاء رؤساء عصابات زعزعوا أمن العالم، وليسوا مسؤولين في دول لها سيادتها، فالشهيد أبو مهدي المهندس مسؤول عراقي لتشكيل أمني وطني، أما الشهيد سليماني، فبغض النظر عن موقف البعض منه أو تحسسهم من وجوده بوصفه عرّاب التوسع الإيراني في المنطقة، فهو ضيف العراق، ولولا العلاقة الوثيقة التي تربطنا مع الجارة إيران، لقامت بمقاضاة الحكومة العراقية دولياً لعدم قدرتها على حماية ضيوفها، وطبعاً سيفقد العالم الثقة بالعراق أمنياً بسبب القرصنة الأميركية التي أباحت السيادة العراقية.
كان الأجدر بالحكومة العراقية استدعاء السفير الأميركي وتسليمه رسالة استنكار شديدة اللهجة، ثم إقامة الشكوى لدى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وإقامة دعوى قضائيّة في محكمة العدل الدولية، والضغط دولياً على ترامب شخصياً، الذي يحاول استعادة شعبيته بهكذا أعمال استعراضيّة، ليضاف ذلك الضغط كله الى ملفاته في الكونغرس الأميركي الذي يسعى لتنحيته، ومن خلال الجهود الدبلوماسية قد يحصل العراق على دعم دولي يغنيه عن الدعم الأميركي في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، وقد يحصل على قرار أممي بسحب القوات والقواعد من أراضيه، إذ جاء قرار البرلمان بناء على طلب السيد رئيس الوزراء المستقيل مرتبكاً.
إنّ نسبة الحضور ونوعيته للتصويت على قرار الانسحاب غير مطمئنة، وكأنّ القرار يمثل المكون الشيعي فقط، مع غياب نواب السنة والكرد، الأمر الذي كشف عن مدى الانقسام السياسي، وكان الأجدر بالمتغيّبين الحضور وتوضيح وجهات نظرهم وأسباب رفضهم ثم الامتناع عن التصويت إنْ شاؤوا، لا أن يتهرّبوا من موقف مصيري في مثل هذه الظروف الدقيقة والحسّاسة التي يمر بها البلد، وبناء على ذلك فقد يفكر الأميركان بالانسحاب من المناطق الشيعية وتكثيف وجودهم في المناطق الأخرى التي لم يصوّت نوابها على القرار، وهذا هو التقسيم المطلوب الذي سيخلق أزمة جديدة وتوتراً لا تحمد عقباه، وبدلاً من التخلص من التدخلات الخارجية في شؤوننا ستفتح الأبواب للمزيد، وبدلاً من الحفاظ على وحدة العراق وشعبه ستكون المبررات قائمة للفرقة وإشعال الفتن.