سياسة روسيا الخارجية في 2020.. إنجازات اليوم وتحديات الغد

بانوراما 2020/01/07
...

 
إيغور ايفانوف ترجمة: ليندا أدور
 
أصبح هناك توجه لدى الكثير من السياسيين والخبراء والصحفيين، مؤخرا، وعلى حد سواء، لإيجاز العام المنتهي 2019 في ما يخص العلاقات الدولية من خلال ملاحظة انخفاض مستوى الحوكمة العالمية وتنامي عدم استقرار السياسة الدولية.
لم يكن العام 2019 استثناء من ذلك، فقد شهدت العديد من المفاجآت والأحداث غير المتوقعة بعموم أنحاء العالم، بدءا من الفوز الكاسح لفلوديمير زيلينسكي بالانتخابات الأوكرانية، وأجراءات عزل الرئيس دونالد ترامب من قبل الكونغرس الأميركي، الى سلسلة من الاضطرابات السياسية التي حدثت بأميركا اللاتينية والأزمة السياسية البريطانية بشأن بريكست التي لا تعرف النهاية، فضلا عن الكثير من الهجمات المسلحة على ناقلات نفط بمنطقة الخليج والتقلبات الحادة في العلاقات الأميركية الصينية. 
 
استيراد عدم الاستقرار
كانت سياسة روسيا الخارجية قد حققت نجاحا بارزا مقارنة بحالات عدم الاستقرار والتقلبات التي باتت سمة من سمات الوضع الدولي، حتى ان أشد منتقدي موسكو قسوة، لا يمكنه إنكار أن روسيا اتبعت نهجا سياسيا ثابتا على مدى السنة التقويمية الماضية. في الوقت الذي لا يرى فيه كثير على الساحة الدولية، روسيا كشريك مناسب للجميع، لكن لا يمكن اتهامها بانها غير جديرة بالثقة أو متعارضة، وهذه صفات لا جدال فيها، تتميز بها روسيا عن بقية القوى العظمى الأخرى وبالتالي، تجعلها تحظى باحترام ليس فقط من قبل أصدقائها وحلفائها، بل حتى من قبل أعدائها ومعارضيها. 
مع أخذ جميع الأمور بعين الاعتبار، يمكن التوقع بأن العام 2020 الجديد سيشهد المزيد من عدم الاستقرار بالنسبة للنظام العالمي، وأن الطاقة التي أفرزها انهيار نظام العلاقات الدولية القديم، لم تتبدد بالكامل، اذ من غير المرجح أن سلسلة ردود الفعل على التفكك الذي تسببت به، يمكن كبحها خلال وقت قريب، وهنا لا نتحدث عن عام أو عامين، من العمل الجاد، بل على مشروع تأريخي طويل الأمد، وهو تحد يتطلب مواجهته ليس من قبل دولة واحدة أو مجموعة قوى رئيسة فحسب، بل من قبل المجتمع الدولي بأسره، والذي لأسباب عدة لا يزال غير مجهز للتعامل مع هذه المشكلة.  
تحت ظل هذه الظروف، من الطبيعي ان يبرز للعيان إغراء لروسيا لتقليل مشاركتها في الشؤون الدولية وعزل نفسها عن العالم الخارجي الذي لايمكن التكهن به، والتركيز على حل المشاكل الداخلية. يبدو أن الأمر في غاية الوضوح من ناحية الإحجام عن "استيراد عدم الاستقرار" وأن تصبح رهينة بصورة لا إرادية لتلك العمليات والاتجاهات السلبية في السياسات الدولية، التي لا يمكن لروسيا ولا أي طرف آخر إدارتها، مع المطالب العامة بتركيز السلطات على المشكلات الداخلية.
 
ستراتيجية العزل الذاتي
بالرغم من ذلك، فان ستراتيجية العزل الذاتي، حتى ان كانت مؤقتة وجزئية، تعد خطرة لسببين، الأول، ان العزل الذاتي، عمليا، أمر مستحيل الحدوث في العالم الحديث والمترابط (كوريا الشمالية استثناء نادر هنا). تمتلك روسيا تكاملا عميقا مع عمليات التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي العالمي، لذا فإن أية محاولة لعزل نفسها ستعني بالتأكيد التخلي عن الكثير من انجازات البلاد السياسية البارزة على مدى الثلاثين عاما الماضية. 
أما السبب الثاني، هو ان ستراتيجية العزل الذاتي ستؤدي، فعليا، الى انسحاب روسيا من المشاركة الفعالة بإنشاء نظام جديد للعلاقات الدولية وبناء النظام العالمي الجديد، وان نظاما عالميا جديدا سينشأ مهما يكن. والسؤال الوحيد هنا، هو الثمن الذي ستدفعه الانسانية مقابل ذلك.
لهذا السبب، ينبغي على السياسة الخارجية الروسية، في العام الجديد، ان لا تقتصر على حل المهام الآنية في مختلف مناطق العالم، بالرغم من أهميتها. وما يوازيها في الأهمية هو تطوير مبادئ ونماذج وآليات جديدة للتعاون الدولي من أجل المستقبل..
فعلى سبيل المثال، حصلت روسيا على خبرة لا نظير لها بالدبلوماسية متعددة الأطراف في سوريا، والذي مكنها من الجمع بين مواقف الخصوم والتقليل من حدة المواجهات المسلحة. فقد نجحت روسيا بتحقيق ما اعتقده الكثير، حتى وقت قريب، بأنه غير قابل التحقيق بالنسبة لسوريا. ويبدو أن الأمر يستحق المحاولة الآن لتوسيع مثل هذه التجربة في عموم الشرق الأوسط، لأنها بحاجة فعلية لنظام أمني جماعي، وان مفهوما طوره وجسده الجانب الروسي ربما يكون بطاقة المرور لذلك.
 
نظام قيد الانشاء
اتخذت روسيا وشركاؤها، في آسيا، خطوات جادة نحو بناء نظام جديد وديمقراطي وشفاف  للمؤسسات الدولية، إذ تشمل إنجازاتها الأخيرة توسيع منظمة شنغهاي للتعاون وتعزيز مفهوم بريكس (BRICS) وتطوير الـتجمع الثلاثي RIC (روسيا والهند والصين)، فضلا عن التقدم في الجمع بين الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي والمبادرة الصينية المعروفة باسم "الحزام والطريق". أصبحت العلاقات الروسية الصينية هي القوة المحركة بنظام العلاقات الدولية، من خلال زيادة التنسيق على الساحة الدولية، بضمنها المجال الأمني، بهدف تعزيز نفوذهم وسلطتهم العالمية.
في الولايات المتحدة، تبدو الحملة الانتخابية للعام الحالي 2020 على أشدها، لذا فان الفترة المقبلة غير مناسبة للبدء بإصلاح العلاقات الثنائية. لكن، اولئك الذين يصرون على وجوب أن تأخذ روسيا فترة استراحة من هذه العلاقات بانتظار نتائج الانتخابات، يأملون بأن تخرج الولايات المتحدة بطريقة أو أخرى من الأزمة السياسية العميقة التي قسمت الأمة منذ ثلاث سنوات، إنهم ببساطة على خطأ. 
في ما يخص افريقيا، تم إحراز طفرة في العلاقات معها خلال العام 2019 الماضي، إذ أظهرت القمة الروسية الافريقية في سوتشي، اهتماما مشتركا لتطوير التعاون الذي يحمل إمكانات كبيرة، وان الشيء الأهم  هنا هو أن خطوات عملية يجب إتخاذها في العام الجديد 2020. 
يمكن أن تواجه السياسة الخارجية الروسية العديد من المشكلات في العام الحالي، بعد أن أثبتت الدولة مهارتها بإدارة الأزمات بفعالية، فضلا عن قدرتها على مواكبة أكثر التحديات خطورة في ما يخص الأمن الاقليمي والعالمي. واليوم، هي أمام فرصة لإظهار قدراتها بكونها مهندس تصميم ذا خبرة، مستعدة، مع شركائها، لتطوير مكونات فردية وجماعية لآلية النظام العالمي الجديد الذي هو قيد الإنشاء.