الحرب الأهلية الليبية أعادت {داعش}

بانوراما 2020/01/07
...

سودارسان راغافان ترجمة: خالد قاسم
شهدت الأسابيع الماضية اعتقال ثمانية من أفراد عصابات داعش الاجراميةفي مدينة سرت الليبية، ويقول ضباط ليبيون: إن الخلايا النائمة تختبئ داخل بعض أحياء المدينة. وأسس مسلحون آخرون معسكرات صحراوية جنوب البلاد حيث يخفي داعش مقاتليه وأسلحته، ولم يعد المسلحون الليبيون الذين عملوا سابقا مع قوات أميركية على الأرض يجرون دوريات هناك.
 
تعد هذه اشارات على تسبب الحرب الأهلية الليبية بخلق ثغرة محتملة لعودة تلك العصابات من جديد، وفقا لقادة محليين ومسؤولين غربيين. ومن جهة اخرى فإن المليشيات التي تهاجم داعش هي نفسها اصبحت هدفا لضربات جوية من قوات خليفة حفتر الباحث عن طرق لازالة الحكومة المعترف بها دوليا. 
ومن جهة اخرى فإن المليشيات التي تهاجم داعش هي نفسها اصبحت هدفا لضربات جوية من قوات خليفة حفتر الباحث عن طرق لازالة الحكومة المعترف بها 
دوليا.
منذ أن شن حفتر هجومه على العاصمة طرابلس في نيسان الماضي، أطلق المسلحون تسعة هجومات معظمها تقع الجنوب ومنها هجوم قتل تسعة في مدينة سبها وآخر استهدف حقلا نفطيا ما تسبب بمقتل ثلاثة. وأكدت داعش مسؤوليتها عن تفجيرين أصابا 18 شخصا في مدينة درنة الشرقية خلال حزيران الماضي، وهو أول هجوم لها هناك منذ العام 2016.
حفزت تلك الهجمات ردا أميركيا عبر أربع غارات بطائرات مسيرة طيلة شهر أيلول الماضي واستهدفت مواقع داعش وسط الصحراء الجنوبية. وأظهرت تقارير مواقع التواصل الاجتماعي الليبية أن أحد أهداف الغارات كان "مالك خازمي" القيادي البارز بداعش. وسجلت الغارات عودة الهجمات على داعش بعد توقف استمر
10 أشهر.
قتلت الغارات 43 مسلحا، أي ثلث قوات داعش، وفقا للجيش الأميركي. وتحدث مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى لمجموعة صغيرة من المراسلين بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة معلومات استخبارية، واصفا الهجمات "بتدمير كبير جدا لقدرات المسلحين." وتعتقد المصادر العسكرية الأميركية أن ليبيا تضم نحو 100 مسلح من داعش، لكن المسؤول المذكور اضافة الى آخرين حذروا من بقاء فرع داعش قادرا على الاستفادة من الفراغ الحالي في السلطة.
 
التأثير الأميركي
انتقل مزيد من الاهتمام نحو حالة فروع داعش حول العالم بعد مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي بغارة للجيش الأميركي شمال سوريا. وكانت ذروة عدد مسلحي داعش داخل ليبيا قد بلغت خمسة آلاف مقاتل خلال فترة قوته المتصاعدة عندما سيطر على 200 كم من الشريط الساحلي للبلاد. فقد امتدت خلافة داعش المزعومة الى مدينة سرت الستراتيجية، وامتلك المسلحون قواعد أخرى في درنة وصبراتة غربا، وكان معظم مسلحيه ليبيين لكنه اجتذب آخرين من تونس ومصر والسودان وغرب افريقيا، وحتى بعض الأميركيين والأوروبيين.
ينشغل ثلاثة أرباع المسلحين الليبيين الذين دحروا داعش بالقتال على جبهات طرابلس، مما يستنزف موارد ثمينة بعيدا عن مهمة مكافحة الارهاب. ويضاف الى احباط الليبيين الشعور بتخلي الغرب عنهم، وذكر ضباط كبار يؤيدون الحكومة أن القوات البرية الأميركية لو بقيت في ليبيا لكانت جهود محاربة داعش أكثر فاعلية.
من جهتها قالت ريبيكا فارمر المتحدثة بلسان قيادة القوات الأميركية في أفريقيا إن قوات بلادها انتقلت من ليبيا بسبب تدهور الوضع الأمني، ورفضت التعليق على العلاقة مع شركائها الليبيين، لكنها قالت أنها مستمرة بالتنسيق بجهود مكافحة الارهاب. وعندما سئلت فارمر عن تأثير الوصول المحدود لجنوب ليبيا بإفشال محاولات محاربة داعش، أجابت أنها لا تستطيع التعليق على "مناقشات داخلية بين الولايات المتحدة والقيادة الليبية، ونستمر بمراقبة داعش، وسوف نتخذ الاجراء المناسب عندما تقدم داعش نفسها"
عادت الحياة الى سرت ببطء خلال السنوات الثلاث الماضية. وتعرضت أحياء كاملة لقصف الطائرات الأميركية ضمن القتال ضد داعش وما تزال تلك الاحياء مجرد ركام، ومع ذلك عاد 80 بالمئة من سكان المدينة البالغ عددهم 180 ألف نسمة، وافتتحت الجامعة و67 مدرسة، لكن الخوف مستمر، اذ ما زال ختم ضريبة داعش موجودا على واجهة بعض المتاجر.
بعد الاطاحة بحكم معمر القذافي خلال الربيع العربي 2011 وتدخل حلف الناتو، حكمت المليشيات اقطاعيات خاصة بها وظهرت حكومات متنافسة، واستغلت داعش هذا الوضع غير المستقر. وبحلول العام 2015 استولت داعش على سرت، وهي مدينة ذات قصور على الشاطئ ضمن الهلال النفطي الليبي، حيث ولد القذافي الذي قتله المتمردون لاحقا أواخر تشرين الأول 2011. وكما هي حال سوريا والعراق، أسس المسلحون حكومة وثبتوا سيطرتهم عبر الاعدامات العلنية والتطرف الديني وقوة من الشرطة التي ترهب الناس.
 
الجبهة الصحراوية
بعد العام 2016 اختفى ارهابيون كثيرون بين المدنيين، وهرب آخرون الى السهوب الجنوبية الخارجة عن سيطرة الحكومة لإيجاد ملاذات آمنة. ويعد هذا التوسع في الصحراء الشاسعة مهما جدا لبقاء داعش، وأسس أفراده معسكرات صحراوية وصادروا شاحنات تحمل الوقود وكسبوا ايرادات أخرى بفرض الضرائب على تهريب البشر والأسلحة.
تتزايد مخاوف مدينة سرت من داعش، فمنذ نيسان الماضي أعتقل عشرة من أفراد التنظيم، ثمانية منهم خلال الفترة الأخيرة، كما قال قادة ليبيون. ومن بين المعتقلين مهندسة ليبية لديها أجهزة اتصالات داخل منزلها ونقلت أموالا لبعض الأهالي، وأعتقل آخر بعد لقائه أفرادا من خلايا داعشية نائمة.
أنشأ المسلحون نقاط تفتيش مفاجئة خارج المدينة لاظهار وجودهم هناك. ويقول عبدالله كبير قادة المدينة: "بدأوا بالعودة مجددا." وتجري قوات عبدالله دوريات بالمدينة ليلا، لكنه يشعر بالقلق من الصحراء والتي لم يعد رجاله يفتشونها.
بعد الغارات الأميركية على مواقع داعش، استغل مسلحون ليبيون الوضع لتفقد تلك الأماكن وتقييم الأضرار وجمع المعلومات. لكن الجنرال حفتر بدأ بقصف القوات الليبية، بما في ذلك غارة دمرت مقرهم الرئيس. وأبقى ذلك الوضع المسلحين بعيدين عن الانتقال الى مواقع الغارات الأميركية الأخيرة وتنفيذ دوريات عبر الصحراء.
يتحدث قادة ومسلحون ليبيون طيلة الأسابيع الماضية عن وجود تحركات لمجاميع مسلحة وسط الصحراء وقرب مجاري الأنهار جنوب المدينة. ويقول أحد المسلحين أن توسيع الحرب هو الخيار الأفضل لداعش، لأنه وضع سيساعد على نمو تجارة الأسلحة في الصحراء فيما ستنتفع داعش من 
ذلك.