كيف ستتفاعل روسيا مع اغتيال سليماني ؟

بانوراما 2020/01/07
...

ترجمة: خالد قاسم
 
 
يفتحُ اغتيالُ اللواء قاسم سليماني فصلا جديدا من القصة المتشابكة لحظوظ واشنطن السيئة في الشرق الأوسط. وإذ يبدو من غير المرجح أن تعطي ادارة ترامب اعتبارا كبيرا لردة فعل روسيا قبل توجيه أمر الاغتيال، لكن روسيا سيكون لها قول في ما سيأتي.
لا تريد روسيا ولا تحتاج الى نزاع أميركي ايراني، لكن الأزمة التي أشعلها الاغتيال لها بعض المنافع لموسكو؛ فهي لن تكتفي بتشتيت انتباه الحكومة الأميركية وتقليل تركيزها على نشاطات روسيا في أوروبا ومناطق أخرى، بل أن التوتر المتزايد بين واشنطن وطهران قد يعزز هدف روسيا طويل الأمد بتقليص النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، فأي تصعيد اضافي بين البلدين سيجبر موسكو على اتخاذ بعض القرارات الصعبة نظرا لتأثيرات النزاع الكبيرة في المصالح الروسية. وتعد سوريا ورقة الضغط الرئيسة؛ إذ تحتفظ روسيا وايران بشراكة غير مريحة دعما لحكومة بشار الأسد.
كان رد الفعل الروسي الأولي على الاغتيال هادئا نسبيا، وفق المعايير الروسية، وذكر التسجيل الرسمي لمكالمة الرئيس بوتين مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون يوم 3 كانون الثاني “قلق” الزعيمين من عملية القتل واحتمالات تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. وكان وزير الخارجية سيرغي لافروف أكثر انتقادا؛ إذ قال إن اغتيال مسؤول حكومي على أرض دولة ثالثة “ينتهك بفجاجة مبادئ القانون الدولي ويستحق الاستنكار”، لكنه لم يهدد بعواقب للجريمة.
وبينما يمكن بسهولة رفض استنكار يأتي من دولة لها تاريخ طويل من الاغتيالات الخارجية، تجدر ملاحظة احجام موسكو عن استهداف مسؤولين أجانب، في الأقل منذ قتل كوماندوز سوفييت الرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين عام 1979، ونظرا لأن روسيا تحب وصف نفسها بأنها الند للولايات المتحدة، فهي ستنتفع من قدرتها على الاشارة الى سابقة أميركية، كما أشارت الى القصف الأميركي ليوغسلافيا عند تبريرها غزوها لجورجيا عام 2008، ويوفر اغتيال سليماني سابقة مفيدة لموسكو اذا قررت على سبيل المثال استهداف مسؤول أوكراني تحت ذريعة مشكوك فيها مستقبلا.
من المتوقع أن تتصف تصرفات روسيا بالحذر في المدى القصير، ومع أن العلاقات بين موسكو وطهران ايجابية عموما، ويرى كلاهما أميركا منافسا ستراتيجيا، لكنهما ليسا حليفين، وهناك مخاوف روسية من السلوك الايراني ولن تبددها الأزمة الحالية. وتستمر روسيا بدعم الاتفاق النووي الايراني وتتعامل بحذر مع امتلاك ايران قدرات تسليحية ذرية قد تزيد زعزعة استقرار المنطقة، ويظهر تسامح روسيا تجاه الضربات الجوية الاسرائيلية ضد مواقع ايران وحزب الله طيلة الحرب السورية، أن موسكو ترغب بتعرض الايرانيين للضربات.
طالما بقي تأثير النزاع الأميركي الايراني في المصالح الروسية في سوريا محدودا، فلا يوجد مبرر لموسكو للتدخل مباشرة في الأزمة حاليا. ورغم بعض التعليقات الغربية الساخنة عن المحور الستراتيجي الروسي الايراني وإمكانية صدام تحالفات شبيه بعام 1914، لكن موسكو في الواقع لن تشجع طهران على الرد بقوة؛ نظرا للقائمة الطويلة من المشكلات القائمة بين روسيا وأميركا.
اضافة الى ذلك، تعطي نصيحة نابليون: “ لا تقاطع عدوك عندما يرتكب خطأ “، الروس سببا وجيها للحذر بهذه المرحلة، وروسيا ستكون الدولة الأخيرة التي تتذمر اذا تسببت تداعيات اغتيال سليماني بتسريع انسحاب القوات الأميركية من الشرق الأوسط.
من الطبيعي أن اغتيال سليماني غير حسابات روسيا، اذ تسارعت الأحداث باتجاه حرب بين واشنطن وطهران، فروسيا لا تريد بالتأكيد حربا واسعة النطاق في المنطقة وتحديدا حرب تزعزع استقرار ايران المجاورة للقوقاز وآسيا الوسطى التي تعدها روسيا جزءا من مجال مصالحها الحيوية، ولكن النزاع سيسبب صعود أسعار النفط، ومع هذا فالنمو الاقتصادي الروسي صار أقل حساسية تجاه تقلبات سعر النفط، وأيا كانت المنافع الاقتصادية الروسية فهي لن تعوض التكاليف الأكبر.
عموما، من الممكن أيضا أن موسكو سترى النزاع الاقليمي بقيادة ادارة أميركية ضعيفة الشعبية يقدم فرصة لمكاسب ستراتيجية على حساب واشنطن. وقد تعد جورجيا وأواكرانيا ودول مجاورة أخرى أكبر الخاسرين من النزاع اذا استفادت موسكو من إلهاء أميركا والحصول على تنازلات اضافية.
لن ترغب روسيا برؤية تمركز أميركي أقوى في المنطقة أو سقوط الجمهورية الاسلامية والمجيء بنظام مقرب من واشنطن، لذلك أثار بعض المراقبين الروس امكانية مساعدة موسكو لطهران مباشرة، على سبيل المثال، بتوفير أدوات الحرب الالكترونية وأسلحة متطورة أخرى ستزيد التكاليف العسكرية الأميركية؛ مثل صواريخ أرض جو أس 400.
 
* جيفري مانكوف / مركز الدراسات الستراتيجية والدولية