الشعب يريد إصلاح النظام

آراء 2020/01/08
...

أماني النداوي
تعددت شعارات التظاهرات والاحتجاجات الشعبية العربية، خلال السنوات الماضية، في ما سمي بالربيع العربي، ومن أبرزها شعار (الشعب يريد إسقاط النظام)، وهو شعار قد ينطبق على بعض الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، لكن ثبت أن عواقبه سيئة ونتائجه غير مضمونة، وهناك أمثلة مفجعة تتداولها الأنباء يومياً حول الدول الفاشلة التي سقط فيها النظام وضاع معه حاضرها ومستقبلها!
   في تظاهرات الخريف العراقي المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تجنب المتظاهرون الشباب، منذ البداية، التورط في ترديد مثل هذا الشعار الخطير الذي يدعو إلى التهديم وليس البناء، وذلك خشية تكرار تجارب بعض الدول العربية الغارقة حالياً في فوضى ما بعد إسقاط النظام، وما أصبحت تعانيه إثر تفكيك هياكل الدولة وتدمير مؤسساتها وتحويلها إلى أنقاض متناثرة، وقد كان مستوى الوعي الوطني لدى أغلب الشباب العراقيين مرتفعاً فراحوا يؤكدون في شعاراتهم وتصريحاتهم على أنهم جيل الديمقراطية ولا يريدون غيرها، وأن هدفهم الإصلاح والتقويم والتغيير عبر الوسائل الديمقراطية، وفي مقدمتها حق التظاهر، وليس استخدام السلاح أو العنف أو التخريب أوسفك الدماء البريئة، وهذا هو الطريق السلمي الذي يتلاقى فيه جميع العراقيين الشرفاء، ومن ضمنهم بالطبع السياسيين والمتظاهرين في آن معا.
   لا أحد في العراق يريد إسقاط النظام سوى أعداء السلام والحضارة والعلم والبناء، وبالأخص الحركات الإرهابية التكفيرية، ومن يقف وراءها، التي ما تزال بقاياها ترفع السلاح ضد العراقيين، دون تمييز، وتريد تدمير الدولة ونظامها السياسي، وإنشاء دولة الخرافة والدجل والظلام، وقد تحطمت تلك الكوابيس السود أمام بطولات العراقيين الشرفاء وتضحياتهم، الذين انتخوا لأداء الواجب الوطني، تلبية لفتوى المرجعية الرشيدة، فوقفت القوات المسلحة بكل صنوفها مع الشباب المتطوعين ضمن فصائل الحشد الشعبي لمواجهة أخطر تهديد لوجود الدولة العراقية وشعبها وأرضها، وحققت الانتصارات الباهرة!
 ليس من الحكمة إطلاق الاتهامات بين العراقيين، ولا يفترض أن تسود لغة التخوين والتخويف، ما دام هدف الجميع هو تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة وتوفير الاحتياجات الانسانية الأساسية والخدمات الضرورية، وتوظيف الثروات بعدالة وإدارة المؤسسات بحكمة، في سبيل النهوض الحضاري، ولا يمكن تحقيق ذلك كله دون الشعور العام بالأمن والأمان 
والسلام.
 إن التظاهرات الشعبية تمثل طاقة شبابية متدفقة لتغيير مجرى التاريخ ينبغي توجيهها نحو المسارات الصحيحة وليس ركوب موجاتها من أطراف داخلية وإقليمية ودولية، ومحاولة حرفها عن توجهاتها السليمة، ولعل في مقدمة المطالب الجماهيرية التي تم تفعيلها تحت ضغط الاحتجاجات، تغيير الحكومة والعمل على حسن الاختيار والانتخاب الديمقراطي للقيادات السياسية من خلال تشريع قانون الانتخابات الجديد وتشكيل مفوضية الانتخابات المستقلة والسعي نحو ترصين النظام السياسي وتوثيق العلاقة بين سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية، ورفض التدخل الخارجي في القرار العراقي، وتأكيد احترام سيادة العراق من قبل جيرانه وأصدقائه، والتعامل معهم وفق المصالح المشتركة والأهداف النبيلة.
 أما مكافحة الفساد ومعاقبة المفسدين فتمثل جوهر المطالب الشعبية، ويتوجب في هذا الشأن العمل خلال المرحلة المقبلة على تفعيل دور المؤسسات المعنية، وبخاصة الجهاز القضائي وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، في معالجة ظاهرة الفساد المالي والإداري من خلال قرارات جريئة ترضي الشعب العراقي وتسترد ثرواته المنهوبة، وتجعلها في خدمة 
المحرومين.
 إن صرخات الشباب المنتفضين لن تهدأ حتى تأكيد سيادة بلدهم وصيانة كرامته وتعزيز استقلاله وإصلاح نظامه السياسي، وتوفير الخدمات والسكن والضمان الصحي، وفرص العمل لكل الطاقات الشبابية، ومنح العقول المبدعة الفرصة في بناء وطن ظل يعاني طوال العقود الماضية من ويلات الحروب والأزمات والكوارث، وذلك عبر سياسة توظيف عادلة دون محاصصة أو محسوبية أو حزبية.
    الشعور بالكرامة لدى المواطن، في وطن مستقر مزدهر، يعد الهدف الأسمى لكل نظام سياسي، يكتسب شرعيته من خلال التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع وتحقيق الرضا والاقتناع والقبول، في سبيل حياة حرة للجميع.
 يجب أن يكون الشعار الصحيح في هذه المرحلة هو أن (الشعب يريد الإصلاح والبناء).. وعلينا أن نتذكر قول الشاعر العربي:
متى يبلغ البنيان يوماً كماله
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم!