لا خلاف على الوطن

آراء 2020/01/08
...

حمزة مصطفى
منذ عام 2003 ومع دخول الدبابات الأميركية الى بغداد قادمة من المطار حتى الجسر الجمهوري كان شعار أو هتاف أو أهزوجة أو هوسة "إخوان سنة وشيعة هذا الوطن منبيعه". اليوم وبعد 17 عاما على دخول تلك الدبابات التي جاءت من جاءت به وجاء من جاء معها أو على ظهورها تحولت الى موضع جدل ونقاش بين أبناء الطبقة السياسية لا المجتمع. المجتمع العراقي بجميع أطيافه كان رافضا لمنطق الاحتلال. وانطلاقا من ذلك أطلق في وقت مبكر هتاف أو أهزوجة أو هوسة "إخوان سنة وشيعة هذا الوطن منبيعه". السياسيون من مختلف القوميات والأديان والمذاهب تعاملوا مع "الاحتلال" لمن أسمّاه احتلالا في وقت مبكر برغم فرحه بإسقاط النظام السابق، ولمن أسماه "تحريرا" في البداية حتى توارى مفهوم التحرير بعد أن أوغل الاحتلال في ارتكاب الأخطاء بل والجرائم التي لم يعد ممكنا التعامل معها إلّا من منطلق الرفض.
ومع أنّ العملية السياسية مرت بظروف ومراحل وإشكالات مختلفة كان أبرزها وأخطرها الحرب الطائفية (2006 ـ 2008) والتي أدت ولأول مرة الى إحداث خرق مجتمعي بين السنة والشيعة حين تم تقطيع أوصال العاصمة بغداد طائفيا أو حين لم يعد ممكنا الذهاب الى المحافظات الغربية أو الخشية مما كان يسمى "مثلث الموت" عند تخوم بغداد من جهة اللطيفية. لم يدم الأمر طويلا حتى عاد العراقيون الى شعارهم أو هتافهم الأثير "إخوان سنة وشيعة" حين اكتشفوا أن السياسيين من مختلف القوى والأحزاب والقوميات والمذاهب رقصوا على جراحهم فعادت اللحمة الوطنية الى سابق عهدها وربما أكثر.
خلال التظاهرات التي بدأت تندلع منذ عام 2011 حتى انتفاضة تشرين الأول الماضي كان هناك شعاران موحدان لكل ساحات التظاهر وهما "بإسم الدين باكونة الحرامية" و"إخوان سنة وشيعة هذا الوطن منبيعه". شعار بإسم الدين جاء وليد التخمة التي بدت عليها الطبقة السياسية بعد أن اكتشف الناس أنهم أثروا على حساب الشعب. انتفاضة تشرين التي لاتزال مستمرة حتى اليوم كانت بمثابة محكمة شعبية على الهواء الطلق لمحاكمة كل أبناء الطبقة السياسية طبقا للقاعدة المشهورة "شلع قلع" وباللبناني "كلن يعني كلن". 
الآن وبعد تصويت مجلس النواب على قرار إخراج القوات الأميركية من العراق بدا أن هناك نوعا من الانقسام المجتمعي قد حصل لأول مرة بعد عام 2003. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو .. لماذا يبدو أن هناك بوادر انقسام مجتمعي لمسألة تبدو لا خلاف عليها وهي إخراج قوات احتلال؟، حتى تكون الإجابة شديدة الوضوح لا بدَّ من التأكيد على إنه لايوجد بين العراقيين خلاف على الوطن. الخلاف لايزال موجودا بين السياسيين وربما سيبقى طالما لاتحرّكه الإرادة الوطنية بقدر ماتحركه مواقف ومتبنيات وأجندات تؤثر في هذا السياسي أو ذاك أو  هذه الكتلة أو الحزب أو ذاك. لا أحد يختلف من بين كل المكونات العراقية على أهمية تحصين السيادة الوطنية لكن الخلاف هو في كيفية النظر الى هذه السيادة وكيف ينبغي التعاطي معها وضمن أية آليات. أما الموقف من الوطن فهو موحّد مجتمعيا وينتظر أن يرتفع السياسيون الى مستوى الوعي المجتمعي.. لا أكثر ولا أقل.