يتعرض البلد الى أزمة كبيرة بواعثها سياسيَّة وآثارها اقتصاديَّة، فقد تماهت العلاقة بين الاقتصاد والسياسة الى الحد الذي لا يمكن تحديد الخطوط الفاصلة بينهما، وبالفعل نجد وراء كل أزمة سياسيَّة آثاراً اقتصاديَّة والعكس ليس صحيحاً بالضرورة، الأمر الذي يبين أهمية وقوة الاقتصاد في عالم العلاقات الدوليَّة اليوم وأثره في القرارات والاصطفافات، سواء على المستوى الثنائي أو الجمعي، وفي الوقت الذي نجد فيه الدول المتقدمة تعتمدُ بشكل أساس في قراراتها على الرؤية الاقتصادية؛ أي بمعنى أنَّ الاقتصاد يمثل العامل المستقل في العلاقة الدالية مع السياسة، نجد أنَّ الدول النامية لا تزال تقدم السياسة وبنسبٍ متفاوتة وتجعل منها العامل المستقل في رسم علاقاتها الدوليَّة ويتراجع الاقتصاد ليكون العامل التابع في تلك
العلاقة.
إنَّ الآثار الاقتصاديَّة التي تخلقها الأزمات السياسيَّة تختلفُ من دولة الى أخرى اعتماداً على حجم الأزمة ونوعها من جهة، وعلى حجم الاقتصاد ومكوناته من جهة أخرى، ولكنْ غالباً ما تتشابه الآثار من حيث النتائج الأولية والتي غالباً ما تظهر في القطاع المالي والأسعار وفي مقدمتها سعر الصرف للحساسية العالية لهذه المؤشرات تجاه الأزمات، وبالتالي تتجلى الأزمات فيها بشكل أولي، وهنا يعتمد حجم الأثر الذي يصيب سعر الصرف على مستوى التوقعات لدى الأفراد وقوة سوق المضاربة وقدرتها على مضاعفة الآثار التشاؤميَّة التي تولدها الأزمة، فضلاً عن قدرة السلطة النقديَّة في مواجهة الطلب الإضافي الناجم عن التوقعات على العملة الأجنبيَّة وإعادة الاستقرار النسبي الى قيمة
العملة.
للأسف صرح البعض بإمكانيَّة رفع الحصانة عن الأموال العراقيَّة لدى البنك الفيدرالي الأميركي متجاهلين أنَّ الحصانة التي كانت تحاط بها الأموال العراقيَّة قد انتفت الحاجة لها منذ العام 2014 بعد أنْ استطاع العراق تسوية ديونه بشكل شبه نهائي من خلال اتفاق نادي باريس، وبالتالي الأموال العراقيَّة منذ أكثر من خمس سنوات عادت الى وضعها الطبيعي لتعتمد الحصانة التي تفرضها أموال البنوك المركزيَّة، كما هي الحال مع بقية الدول التي تحتفظ بحساباتها لدى البنك الفيدرالي، وهذا يعني أنَّ الكلام عن رفع الحصانة غير دقيق سواء عن قصد من قبل "تجار الأزمات" أو عن جهل بسبب عدم الإحاطة بحيثيات بعض جوانب العلاقات الماليَّة، الأمر الذي يتطلبُ التنبيه والتوعية لتفادي الأزمات المفتعلة.