الرد الثأري الإيراني يترك لترامب منفذاً للإفلات

بانوراما 2020/01/08
...

ترجمة وإعداد : الصباح            
قال مسؤولون أميركيون ان القوات الإيرانية شنت موجة مؤلفة من اكثر من عشرة صواريخ بالستية يوم الثلاثاء الماضي على قاعدتين عسكريتين عراقيتين ترابط فيهما قوات تابعة للولايات المتحدة والتحالف. جاءت هذه الضربة كرد انتقامي على تنفيذ طائرة مسيرة أميركية ضربة أدت الى مقتل قاسم سليماني الذي يعد أبرز قائد عسكري في إيران.
لكن مع ظهور تقارير أولية تفيد بأن الأميركيين لم تقع بينهم إصابات، ونظراً لمحدودية الاضرار، استنتج المسؤولون الأميركيون بسرعة أن تلك الهجمات كانت اجراء من جانب طهران يهدف الى رد الاعتبار اكثر منها تصعيداً لأجواء العداء. قال مسؤول أميركي رفيع المستوى في حديث مع مجلة تايم ليل الثلاثاء: “من الواضح أن الإيرانيين قد تركوا للرئيس ترامب فسحة يفلت منها”.
يمضي البنتاغون في تقييم حجم الاضرار التي وقعت جراء الهجوم، ولكن مسؤولين أميركيين تحدثوا الى مجلة تايم يقولون ان أيا من الأميركيين لم يفقد حياته في الضربة التي تعرضت لها قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الانبار ومنشأة عسكرية أخرى تقع في اربيل في المنطقة الكردية.
لئن يكن الطرفان قد خلصا، كما يبدو حتى الآن على الأقل، الى أن الاندفاع الى حرب شاملة فكرة سيئة فإن تبعات حادثة اغتيال سليماني سوف تبقى تشغل بال البنتاغون وحلفاء أميركا في المنطقة. لهذا أبقيت القوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط والعالم في حالة الانذار الأقصى ويحذر مسؤولو مخابرات الولايات المتحدة والتحالف من أن الجماعات الارهابية التي لا تعمل ضمن إطار دولة قد تتصرف من تلقاء انفسهم.
يقول “جيمس كلابر” المدير السابق لوكالة الأمن القومي: ان الإيرانيين كانوا يوجهون خطابهم الى ثلاثة متلقين حين وجهوا صواريخهم، الأول هو جمهورهم المحلي والثاني هو الولايات المتحدة والثالث هو العراقيون.
يضيف كلابر: “لقد جاء خطاب ظريف معتدلاً، وتضمن عبارة أنهم قد أتموا ردهم، وبذلك نكون قد تمكنا من تجنب اطلاقة وجهت الينا، إذا ما تمكن ترامب من ضبط نفسه.”
كانت إدارة ترامب قد حثت جميع المواطنين الأميركيين يوم الجمعة الماضي الى مغادرة العراق “فوراً”، كما علقت عمليات مكافحة “داعش”، التي يدور معظمها داخل العراق، الى أجل غير محدد. كذلك وصل الى المنطقة 3500 جندي إضافيين بإيعاز فوري لينضموا الى نحو 15 ألف جندي أميركي كانوا في الشرق الأوسط منذ بداية التدهور مع إيران في الربيع الماضي.
يقول “تشاك هيغل” وهو وزير دفاع سابق: “يجد الجيش الأميركي نفسه في حالة تأهب دائم للتجاوب مع قرارات الرئيس يوماً بيوم تقريباً. قراراته تأتي ارتجالاً وبوحي لحظة أو على شكل تغريدة في موقع تويتر أو في موجة انفعال عاطفي. هذا الأسلوب في التعامل مع الأوضاع عاطل الى درجة خطيرة وهو يفتح الباب مشرعاً لعواقب غير مقصودة.”
كانت التوترات بين واشنطن وطهران مستمرة بالتصاعد منذ الغاء ترامب صفقة العام 2015 النووية وفرضه عقوبات اقتصادية قاسية على إيران. وليس من الواضح بعد واقع الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة جراء المواجهة الأخيرة مع إيران.
بدأت ألمانيا وكندا، وهما عضوان في حلف الناتو، خفض قواتهما في مناطق وسط العراق تحسباً جراء تأزم الأوضاع في المنطقة.
في الوقت ذاته يتعمق الشعور بالارتباك بشأن مستقبل القوات الأميركية في العراق. حيث طالب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الجيش الأميركي بتقديم ايضاح لكيفية وصول رسالة الى مكتبه تنص على أن الولايات المتحدة تستعد لسحب قواتها.
ظهرت هذه الرسالة المغفلة، التي يدعي البنتاغون انها ارسلت عن طريق الخطأ، على شبكة الانترنت بعد يوم واحد من تصويت البرلمان العراقي على قرار غير ملزم بإخراج القوات الأجنبية من العراق. ولكن عبد المهدي يقول انه يرى أن الرسالة تبدو رسمية بالنسبة اليه حيث كانت باللغتين العربية والانكليزية.
لم يقدم البيت الأبيض أو البنتاغون إيضاحاً بعد كيف ارسلت “مسودة” رسالة غير موقعة تحمل اسم العميد في قوات المارينز “وليام سيلي”، قائد قوات التحالف ضد “داعش” في العراق. وقد بقي مسؤولو وزارة الدفاع في تخبط طيلة 90 دقيقة بينما الصحفيون في الخارج يطالبون بإيضاح حقيقة ذلك الخطاب الذي نشر يوم الاثنين على موقعي وكالة رويترز والوكالة الفرنسية.
حتى وزير الدفاع “مارك إسبر” ورئيس قيادة الاركان المشتركة الجنرال “مارك ميلي” لم يستطيعا تقديم اجابة حين سئلا إن كانت الرسالة حقيقية أم مزيفة. في اشارة الى الرسالة يوم الاثنين الماضي خلال لقاء صحفي سريع مع مراسلي الوكالات قال إسبر: “لا أعلم ما هذا الذي حدث، نحن نحاول معرفة من اين جاءت وما الذي يعنيه هذا.” بعد ذلك بخمس دقائق عاد ميلي ليخبر المراسلين قائلاً: “تلك كانت مسودة رسالة والأمر حدث بالخطأ. انها رسالة غير موقعة وما كان ينبغي أن تنشر مطلقاً”.
بيد أن الرجلين عادا يؤكدان بأن القوات الأميركية لن تغادر العراق، بل أن الذي حدث هو العكس تماماً، حيث حزم نحو 3000 جندي من قوات المظليين التابعين للفرقة 82 المحمولة جواً معداتهم واسلحتهم وودعوا أسرهم بعد أن تم استدعاؤهم على وجه السرعة لنشرهم الى الكويت استعداداً للتعامل مع تطورات الموقف.
في مدينة “فايتفيل”، حيث تقيم أسر كثير من اولئك الجنود، دبت حركة مألوفة تخفق لها القلوب، حركة تعرفها المدينة جيداً، فهي مظاهر الوداع والانتظار وتمني عودة الاحباب سالمين. في كل مكان من المدينة تشاهد الاشرطة الصفر معلقة، رمز الأمل بعودة البعيدين، وفي الكنائس وضعت رسائل تناشد الناس أن يكثروا الابتهال. يقول “ميتش كولفن” عمدة “فايتفيل”: “إنه شيء اعتادت عليه مدينتنا مع الأسف طيلة السنوات العشرين الماضية. هذا ليس بالأمر اليسير ابداً، فنحن نرى ما الذي يحدث في الاخبار، وكل ما يمكننا فعله هو الدعاء بأن يكون هذا الارسال قصيراً ويعود جنودنا الشجعان الى أسرهم سالمين”. 
دبليو جي هينيغان/عن مجلة تايم