بداية العام الجديد والأحداث التي شهدته جعلتنا نسأل أنفسنا ماذا تريد أميركا؟ هذا السؤال وما يحتويه من تفرّعات كثيرة يمكن لأي متابع أن يسألها، كلها تصل في نهايتها إلى نقطة مهمة تتمثل بأن أميركا تحاول جر المنطقة للحرب بطريقتها الخاصة، هذا كان واضحا عبر تصعيدها الأخير بضرب موكب الشهيدين نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، هذه العملية التي لم تجد ترحيبا لها في أوربا وحتى داخل أميركا نفسها مضافا لذلك تأثيرها الكبير في إدخال المنطقة في نفق لا أحد يمكن أن يتكهّن في نهايته وتداعياتها خاصة وأن عملية الاستهداف بحد ذاتها تمثل انتهاكا كبيرا لسيادة العراق واعتداءً سافراً على قواته المسلحة الذي يشكل الحشد الشعبي جزءا منها.
وهذا ما يجعلنا نؤكد أن واشنطن تسعى لأن تجعل من الساحة العراقية مسرحا للمواجهة مع إيران بعد أن اختارت تصفية أحد أبرز قادتها العسكريين في الأراضي العراقية، وهو ما يجعلنا نستنتج أنّ واشنطن ترى أنّ العراق الساحة المثلى لمواجهة إيران وهذا هو الخطر الأكبر الذي يحدق بالعراق في المرحلة الراهنة على وجه الخصوص، وأنّنا نعيش في ظل حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة جدا، مضافا لذلك فشل القوى السياسية في الاتفاق على مرشح مقبول من قبل الشعب العراقي.
لا نكتم القلق الذي نعيشه جراء الأحداث المتسارعة وردود الفعل التي ممكن أن تحصل سواء من طهران كحكومة تجد نفسها أمام حالة تستوجب الرد على العمل الأميركي الأخير من جانب، ومن جانب آخر من فصائل الحشد الشعبي التي رفعت جاهزيتها القتالية استعدادا لمرحلة مقبلة، مضافا لذلك كله الشعور داخل العراق سواء من الحكومة أو الشعب بأن طبول الحرب باتت أقرب من أي يوم آخر.
ما المطلوب أن نفعل الآن؟ هنالك نقطة مهمة جدا أن يسارع رئيس الجمهورية لتسمية رئيس مجلس الوزراء وتكليفه رسميا بتشكيل الحكومة، وعلى القوى السياسية أن تدرك خطورة المرحلة الحالية وأن تنظر لمصلحة العراق قبل مصالحها الشخصية وأن تبتعد عن التجاذبات القديمة - الجديدة لأنّ وجود حكومة بصلاحيات كاملة من شأنه أن ينقذ العراق ويبعده قدر الإمكان من أن يكون ساحة صراع. كما أنّنا لا نتمنى حدوث مواجهة مباشرة أو غير مباشرة بين أميركا وإيران لأن منطقتنا لم تعد تحتمل مزيدا من الحروب أو الصراعات بما في ذلك الإعلامية منها، والتي تؤثر بشكل كبير على استقرار المنطقة وأمن شعوبها، وهذا ما يجعلنا نقول على جميع الأطراف الإقليمية والدولية أن تعي هذه الحقيقة وتسعى لفتح قنوات حوار بين واشنطن وطهران ودول المنطقة من أجل حل الكثير من العقد والملفات العالقة والتي تشكل نقاط تصادم بين واشنطن وحلفائها في المنطقة من جهة وبين طهران من جهة أخرى، وأبرز هذه النقاط في سوريا واليمن ولبنان والعراق وربما هنالك أماكن أخرى.
اللجوء للحوار هو الطريق الوحيد الذي يجنبنا المواجهات سواء المباشرة أو غير المباشرة، وهذا ما تريده دول المنطقة وشعوبها التي مازالت تدفع فواتير الصراعات، وهذه الفواتير خسائر بشرية ومادية وتعطيل لخطط التنمية، شعوب المنطقة تريد السلام فماذا تريد أميركا
يا ترى؟