كان الضرر طفيفاً ولكن إيران لديها أسلحة أمضى

بانوراما 2020/01/10
...

ترجمة وإعداد: انيس الصفار                                  
صعق مسؤولو الجيش والمخابرات الأميركيون من الدقّة والسعة والجرأة الكبيرة التي اتسم بها الهجوم الإيراني. الذي جرى قبل أربعة أشهر حين ضرب سرب من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، التي تطير على ارتفاع منخفض، خزانات النفط في قلب منشآت النفط السعودية فأصاب واشنطن بالبغتة والدهشة وانخفضت تجهيزات النفط العالمية بنسبة خمسة بالمئة لفترة مؤقتة.
الهجوم الإيراني على المواقع الأميركية العسكرية في العراق في ساعة مبكرة من صباح الاربعاء، وهو الهجوم المباشر الوحيد على الولايات المتحدة أو أي من حلفائها الذي تعترف إيران بالمسؤولية عنه منذ اقتحام السفارة الأميركية بطهران في 1979، اعتمد على الصواريخ البالستية ولكن الأضرار التي سببها كانت طفيفة. 
بيد أن النجاح غير المتوقع الذي حققته ضربة أيلول على منشآت النفط السعودية ينطوي على تذكير صارخ، وسط التوترات بين الولايات المتحدة وإيران التي بلغت الان اعلى مستوياتها على مدى أربعة عقود، بأن طهران تمتلك في ترسانتها تشكيلة من الاسلحة الخفية القادرة على تسليط تهديد أعظم في حالة تصاعد اجواء العداء أكثر.
عانى الجيش الإيراني التقليدي بشدة خلال فترة العزلة التي تعرض لها البلد منذ الثورة الاسلامية في 1979، بيد أن طهران انفقت في العقود التي تلت ذلك في بناء قدرات غير تقليدية تعد الان من بين الأشد فعالية في العالم، وهي مثالية تماماً ومناسبة لشن العمليات باسلوب الحرب غير المتناظرة ضد أي قوة عظمى كالولايات المتحدة.
فإيران تتحكم اليوم بواحدة من أكبر ترسانات صواريخ كروز والصواريخ البالستية في المنطقة، إلى جانب شبكة من الجماعات المقاتلة الحليفة والصديقة لها في شتى انحاء المنطقة تصل أعداد مقاتليها الى نحو 250 ألف عنصر، بالاضافة الى فرق من قراصنة الكومبيوتر “هاكرز” الذين يصنفهم المسؤولون الأميركيون ضمن الأخطر.
كذلك طورت إيران طائرات مسيرة “درون” متطورة، وهي مسلحة كما يمكن استخدامها في عمليات الاستطلاع. ولكون طهران تفتقر الى سلاح بحرية تقليدي قوي راحت تسعى لتطوير اساليب ووسائل أخرى تمكنها من قطع النفط من الخليج، فانشأت اسطولاً من الزوارق الصغيرة السريعة وخزيناً من الالغام تحت المائية.
يقول “جاك واتلنغ”، وهو محلل من المعهد الملكي لأصناف القوات المسلحة الموحدة بلندن: “قدراتهم الهجومية الان أعظم بكثير من القدرات الدفاعية التي تصطف بمواجهتهم. هذه القدرة على التسبب بأضرار جدية تجعل تكاليف اي حرب مع إيران باهظة الثمن للغاية.”
هجوم يوم الاربعاء لم يكن مؤثراً، لقد برهن على امتلاك الصواريخ البالستية الإيرانية المدى (بعضها طار لمسافة قاربت 1000 متر) ولكن الدقّة كانت ضعيفة، بل ان بعضها سقط خارج نطاق الاهداف المفترضة. غير أن بعض المحللين يعتقدون بأن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي ربما وجه عن عمد بأن تكون للضربة دلالة رمزية ولكنها غير مؤذية نسبياً كي يرى المواطنون الايرانيون أن رداً قوياً قد وقع من دون استثارة حرب شاملة مع واشنطن.
من المحتمل أن طهران وحلفاءها لا يزالون يخططون لأنواع من العمل الانتقامي الأقل مجاهرة في الرد على قتل الأميركيين القائد العسكري الايراني قاسم سليماني، ويشعر كثير من المحللين بالارتياح لأن إيران وحلفاءها المقاتلين ربما سيعودون الى نمط الهجمات الخفية غير المباشرة التي لا تترك وراءها آثاراً تدل على مسؤولية إيران.
ففي العراق فقدت الجماعات المقاتلة أحد قادتها في الضربة الجوية التي أودت بحياة الجنرال سليماني، وقد صرحت بأنها سيكون لها انتقامها الخاص. كذلك أعلن حسن نصر الله، زعيم حزب الله في لبنان، بأن جماعته ستفعل الشيء
نفسه.
كذلك كان لإيران تاريخ في استهداف المسؤولين الاجانب وربما سيعمدون الى هذا الاسلوب على مبدأ العين بالعين، بيد أنهم في الماضي لم يكونوا موفقين كثيراً فيه.
إلا ان هجوم ايلول على منشآت النفط السعودية يمثل بديلاً مخيفاً لأنه كشف عن نقاط ضعف في معظم انظمة الدفاع ضد الصواريخ. فمعظم هذه الانظمة مصمم للدفاع ضد الصواريخ البالستية، ولكن اياً منها لم يزود بوسائل تكفل كشف وإيقاف سرب كبير من طائرات الدرون المسيرة وصواريخ كروز عالية السرعة وهي تطير على ارتفاع منخفض.
يقول “تال إنبار”، المدير السابق لمركز بحوث الفضاء في مؤسسة فيشر لدراسات الطيران والفضاء الستراتيجية: ان دقة الهجمات ما كان بالامكان بلوغها باستخدام نظام تحديد المواقع “جي بي أس” لوحده، ولابد أن امكانيات اخرى قد وظفت في ذلك الهجوم.
لدى إيران ايضاً صواريخ كروز أبعد مدى قادرة على الضرب لمسافات تزيد على 2400 كيلومتر خارج الحدود الإيرانية، وهذا يعني إمكانية وصولها الى أي مكان تقريباً ضمن منطقة الخليج. كذلك تنتج إيران محلياً طائرات مسيرة يمكن التحكم بها عن بعد.
الهجمات السبرانية (الالكترونية) سلاح آخر من شأنه التسبب بأضرار تصل الى نصف العالم بأقل التكاليف وبدون ظهور بصمات تدل على صاحبها، ولعل هذا السلاح سيكون ورقة إيران الرابحة.
يلاحظ خبراء الأمن السبراني والمسؤولون الحكوميون منذ الان زيادة في نشاط القراصنة ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يعملون لصالح إيران وهذه باعتقادهم محاولات للتغطية على هجمات اكثر خطورة تشن من طهران.
في العام 2012 ضرب هجوم نسبه المسؤولون الأميركيون الى إيران الاقراص الصلبة لشركة النفط السعودية آرامكو فظهرت على الشاشات صورة علم أميركي يحترق. وفي هجوم ثان في عامي 2016 و 2017 دمرت ملفات البنك المركزي السعودي الى جانب بعض الوزارات وعدد من الشركات الخاصة. في ذلك الوقت ظهرت على شاشات الكومبيوتر صورة طفل غريق من ابناء اللاجئين السوريين.
في العام الماضي صنف المدير السابق لوكالة الأمن القومي “دان كوتس” إيران كرابع أخطر مصدر للتهديد السبراني حيث جاءت بعد روسيا والصين وكوريا
 الشمالية.
في احدى الهجمات واطئة المستوى مؤخراً، التي يبدو أنها قصد منها الثأر للجنرال سليماني، استولى القراصنة الايرانيون مؤقتاً على موقع “برنامج مكتبة الإيداع الفيدرالية” التابع للحكومة الأميركية وأحلوا محله نعياً للجنرال يقول نصه: “استولت على الموقع مجموعة قراصنة الأمن السبراني الإيراني، وهذا جزء يسير فقط من قدرات إيران السبرانية!”  
ديفد كركباتريك ورونن برغمان/عن صحيفة نيويورك تايمز