هارولد ويلسون جاسوس للاتحاد السوفييتي!

بانوراما 2020/01/11
...

ترجمة: خالد قاسم
 
سمعت الملكة اليزابيث الثانية شائعات بأن رئيس حكومتها العمالي، آنذاك، هارولد ويلسون، يعمل سرا لصالح الاتحاد السوفييتي، لكن المسؤولين طمأنوها بأنه ليس كذلك، الّا أن الاستخبارات الداخلية خالفتهم الرأي.
نشأ ويلسون في هادرسفيلد ودرس بجامعة أوكسفورد وتولى رئاسة الوزراء بين عامي 1964 الى 1970، ومن ثم بين 1974 الى 1976. ووصل للسلطة بعد وعوده للناخبين بكسر قواعد المؤسسة السياسية، لكن تلك المؤسسة لم يعجبها ذلك.
هل اشتبه أحد بعمل ويلسون جاسوسا؟ كان هو نفسه واثقا من وجود مجموعة من المسؤولين اليمينيين يؤمنون بظهور خلية مؤيدة لموسكو داخل 10 داوننغ ستريت. أما اتهاماته المضادة لهم فهي تآمرهم ضده وعملهم مع مخابرات الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا لتشويه سمعته، وحجبهم معلومات عن خطة مؤسساتية للاطاحة به.
بعد أسابيع قليلة على استقالته من رئاسة الوزراء عام 1976، استدعى ويلسون صحفيين اثنين من وكالة بي بي سي الى منزله وأخبرهما بأن الديمقراطية مهددة، متحدثا عن ضرورة اجراء تحقيق وعرض عليهما المساعدة. 
كان العالم مذهولا تجاه فضيحة ووترغيت في أميركا، وهي قصة اقتحام مقر الحزب الديمقراطي بالعاصمة واشنطن وتغطية البيت الأبيض عليها، وتسببت باستقالة الرئيس ريتشارد نيكسون. تلقى صحفيو واشنطن بوست الذين كشفوا القصة أدلة من طرف داخلي غامض أسموه "الواشي المجهول". 
عندما ظهرت قصة عمل ويلسون واشيا ضد النظام، كان الموقف العام "هذا مجرد جنون الاضطهاد" كما يقول دان لوماس الأستاذ بجامعة ستانفورد. لكن ضابطا سابقا بجهاز أم آي5 يدعى بيتر رايت نشر كتابا خلال سنوات الثمانينيات بعنوان "ماسك الجاسوس" اذ ادعى أنه كان عضوا بمجموعة داخل الجهاز تآمرت لإجبار ويلسون على الاستقالة، لأنهم اقتنعوا بتجسسه للشيوعيين.
 
علاقات مشبوهة
هل امتلك رايت وزمرته دليلا على ذلك؟ أجرى ويلسون خلال الأربعينيات والخمسينيات عدة زيارات الى الكتلة الشرقية، عندما كان وزيرا للتجارة، وزارها وهو معارض عندما عمل مستشارا لشركة أخشاب. واقتنع رايت بتجنيد ويلسون جاسوسا خلال إحدى تلك الزيارات. وكان ويلسون أيضا صديقا لعدة رجال أعمال من دول أوروبا الشرقية مثل صانع المعطف المطري جوزيف كاغان وعملاق النشر روبرت ماكسويل، وكانت ولاءاتهم محل شبهة من بعض أفراد أم آي5.
شهدت بداية الستينيات أيضا ابلاغ منشق سوفييتي يدعى أناتولي غوليتسين محققيه أن ويلسون كان جاسوسا وأن هيو غيتسكيل، سلفه بزعامة حزب العمال، أغتيل لفسح المجال أمامه. لكن المدير العام لجهاز أم آي5 رفض ذلك الادعاء، الّا أن رايت صدّقه وكذلك الحال بالنسبة لمدير مكافحة التجسس في المخابرات الأميركية جيمس جيسوس أنغلتون.
اتضح لاحقا بعد انشقاق المسؤول عن أرشيف المخابرات السوفييتية فاسيلي ميتروخين عام 1992 أن ويلسون كان مدرجا ضمن قائمة السياسيين الذين خطط جهاز المخابرات السوفيتية (كي جي بي) لاستهدافهم، لكن رايت لم يكن يعرف ذلك خلال السبعينيات.
يقول أم آي5 وغيره أن رايت ليس مصدرا موثوقا، وفي صفحة على موقعه الألكتروني مكرسة لادعاءات عن ويلسون يصف الجهاز ادعاءات رايت عن نظرية المؤامرة ضد ويلسون داخل الجهاز بأنها "فاقدة المصداقية". وذكر رايت بكتابه أن 30 ضابطا من الجهاز كانوا جزءا من المؤامرة، لكنه قال لاحقا أن العدد 8 أو 9 فقط واعترف بوجود ضابط واحد ملتزم جديا باسقاط
 ويلسون.
من جهة ثانية، مدير الجهاز نفسه عندما استدعاه ويلسون الى داوننغ ستريت عام 1975، اعترف بوجود "مجموعة صغيرة من الأعضاء الساخطين" بالجهاز آمنوا بظهور خلية شيوعية في مقر رئاسة الوزراء، وأخبره أن تلك المجموعة تحت السيطرة، لكن ذلك لم يبدد مخاوف ويلسون.
في السياق ذاته، دعا مالك صحيفة ديلي ميرور سيسيل كينغ لعقد اجتماع عام 1968 ضم أبرز شخصيات الصحيفة، اذ طالب بتنصيب ادارة يقودها ابن عم الملكة اللورد ماونتباتن ليحل مكان الحكومة المنتخبة، لكن اللورد الذي كان حاضرا رفض وبالتالي فشلت 
المؤامرة.
معارضة الجيش
أما بداية السبعينيات فشهدت انشاء مجموعة شخصيات يمينية عسكرية سابقة وشعرت بالغضب من تسليح النقابات "مجاميع دفاع مدنية" وكان كثيرون يخشون تحولها الى جيوش خاصة. وقالت البارونة فالكندر، أكثر مساعدي ويلسون الموثوقين، أنها ورئيس الوزراء اعتقدا أن المناورة العسكرية للجيش عام 1974 في مطار هيثرو كان بالواقع إما استعراض قوة أو تمرينا على انقلاب. واعتقد ويلسون أيضا أن أم آي5 زرع قصصا مؤذية عنه بالصحافة، وهو ادعاء أكده رايت.
أجري تحقيقان بشأن هذه القضية، الأول عام 1987 واستنتج عدم صحة ادعاءات مؤامرة جهاز أمني ضد ويلسون، لكن تحقيقا أجراه اللورد هانت عام 1996 استنتج أن "قلة قليلة جدا من المتذمرين داخل أم آي5 نشروا قصصا مسيئة ومؤذية."
أكد البروفيسور كريستوفر أندرو عام 2009 أن الجهاز فتح ملفا عن ويلسون في 1947 تحت اسم رمزي "وورثينغتون" بعد حديث موظف شيوعي بطريقة ايجابية عنه. واستنتج أندرو عدم وجود مؤامرة من أم آي5 ضد ويلسون ووصفه بالموسوس. وقيل لاحقا أن البرلمان البريطاني قمع ادعاء بسبب "المصلحة العامة" يقول أن داوننغ ستريت احتوى أجهزة تنصت بين عامي 1963 الى 1977.
يعتقد لوماس أن الحقيقة تقع بمكان ما في الوسط، فهناك مؤامرة محدودة داخل الجهاز واقتصرت على بيتر رايت وزميل له، لكن مما لا شك فيه وجود محيط يميني أوسع خلال السبعينيات سعى لاسقاط ويلسون.
 
موقع بي بي سي