الإصلاحات الثقافية تكشف الاختلافات المجتمعية

بانوراما 2020/01/12
...

مارتن تشولوف
ترجمة: خالد قاسم
 
 
تبنت النخب الحضرية الى حد كبير التحول الثقافي السعودي ،لكن هناك خوفا وغضبا لدى فئات أخرى.تجلس ريان ومها كلتاهما على الأرض فتدخنان السكائر وبجانبيهما حقيبتيهما المدرسيتان أمام هاتفيهما النقالين فتشغلان الأغاني الصاخبة. وقد تغيبت الفتاتان عن المدرسة لأنهما تواجدتا في المول ولم تكترثا بمن سيعرف ذلك
لا تتحجب الفتاتان ، بل ترتديان عباءة غير محتشمة، بخلاف النساء الاخريات ذوات الزي المحافظ. لم يهتم أحد من الرجال بالفتاتين، باستثناء رجل برازيلي يرتدي سروالا قصيرا ويغطي الوشم يديه، اذ توقف محاولا التحدث معهما وأخبرته مها ذات الست عشرة سنة: “أستطيع فعل ما يحلو لي، إنها بلاد حرة الآن، ألا تعرف ذلك؟”
يعد التغيب عن المدرسة بالنسبة لهما تحديا شبابيا أكثر منه تعبيرا عن الحرية الجديدة. لكن بالنسبة للسعودية هذه الأيام يشهد هذا التمرد العلني من قبل الفتاتين على اشارات بتغيير أوسع داخل المملكة.
تقول ريان (17 سنة): “صحيح أني لم أفعل ذلك منذ فترة لأن الشرطة كانت ستجدني وتمنعني، أما الآن فلا أشعر بالقلق منهم أو أي شخص آخر، ربما
 باستثناء والدي.”
بعد مرور عامين على برنامج الاصلاح الهادف لفتح مجتمع جامد أمام عالم متشكك، فقد صار متاحا جدا اختيار نوع اللبس وكيفية التصرف بعد تعديل أعراف الزي الصارمة للمواطنين والغائها للأجانب، وألغيت أيضا قوانين تقيد حركة النساء وصارت حضانة الطفل أكثر مساواة بين الجنسين وألغي فصل النساء عن الرجال.
المعارضة ممنوعة
يشير النقاد وجماعات حقوق الانسان في الغرب الى أن الاصلاحات الثقافية رافقتها محاولة شرسة لقمع المعارضين، اذ أعتقل نشطاء ورجال دين ونقاد آخرون بشكل تعسفي، وتدعي ناشطات عدة لحقوق المرأة أنهن تعرضن للتعذيب والاعتداء الجنسي.
مع ذلك، وفيما يتعلق بمسألة الاصلاح الثقافي هناك اشارات واضحة على التغيير. ففي الرياض، بعد أن كانت معقلا للتقشف الثقافي والقمع لأربعين سنة تقريبا، هناك قبول بجميع المقبلين من فرق مصارعة ومؤدين عالميين ومغنين محليين وملاكمين، مثل بطل العالم للوزن الثقيل أندي رويز جونيور الذي خاض نزالا مع البريطاني أنتوني جوشوا باعادة مباراة على اللقب في الدرعية، وكل هؤلاء جزءا من مشاهير وفنانين أغرتهم رسالة أن ما كان محرما صار مباحا. فقد زينت صورة الملاكمين بملصقات مختلف مناطق الرياض مروجة عن أول مباراة ملاكمة عالمية للوزن الثقيل داخل المملكة. واستعارت السعودية النموذج القطري جزئيا باستضافة بطولات عالمية مثل كأس العالم لكرة القدم 2022. وحرصا من قادة البلاد على تعزيز الانفتاح الجديد، تم عقد مؤتمر لمناقشة التحديات التي تواجه وسائل الاعلام ووجه قادة المملكة الدعوة للصحافة الدولية مثل صحيفة الغارديان البريطانية. ولم يكن مقتل جمال خاشقجي في أسطنبول قبل 15 شهرا على جدول الأعمال، ولا القيود واسعة النطاق على حرية التعبير التي جعلت السعودية منذ مدة طويلة واحدة من أكثر دول العالم غموضا وصعوبة على الصحفيين.
 
مقبولية متباينة
بدأ التحول الثقافي بثبات منذ العام 2017، وكان مذهلا،  إذ تبنته النخب الحضرية في الرياض والمدينة الثانية جدة حيث الكثير مما يتقبله المجتمع الآن كان موجودا على نحو سري منذ عشرات السنين. لكن ما وراء المدينة، وحتى لدى بعض الضواحي الخارجية، سببت سرعة التغيير استياء وغضبا وشعورا بالخجل.
تقول منيرة سلمان، صاحبة مقهى في إحدى ضواحي الرياض : “لم أتصور رؤية ذلك خلال حياتي” بعد استضافتها منتدى لتمكين النساء بحضور أكثر من 15 امرأة محلية وأجنبية للحديث عن مؤسسة جديدة تدعى قصص النساء السعوديات. يبدو الكثير في الرياض وأكثر منهم بالمناطق الأصغر مساحة رافضين لفعل ذلك، ويرى بعض المراقبين أن المحافظين القرويين خصوصا لا يتبنون مطلقا التغييرات التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان.
كانت الاصلاحات الثقافية إحدى دعامات محاولة اعادة هندسة معظم جوانب الحياة السعودية؛ اقتصاد جامد ومعارضة عنيدة للترفيه ورفض لأي شيء يصف عصر ما قبل الاسلام. لقد فكك هذا الجهد وضعا قديما سمح لقادة البلاد بادارة شؤون الدولة، أما رجال الدين فقد تولوا تحديد وفرض الشخصية الوطنية. وبدلا من ذلك، باتت تظهر هناك دولة بوليسية قومية عربية ترتكز على وريث عائلة مالكة مطلقة تعزز سلطتها بقسوة وتقصي المعارضة. 
صحفة ديلي تلغراف