هل تنقذ بطاطا البيرو العالم من أزمة الغذاء؟

بانوراما 2020/01/12
...

دان كولينز
ترجمة: ليندا أدور
 
 
 
مع ما يشهده العالم من تغير مناخي والذي بات يحدث بشكل أسرع من قدرة الكثير من المحاصيل على التأقلم معه، والتهديد الذي يواجه الأمن الغذائي بعموم أنحاء العالم، هناك، عاليا على الانديز، توجد حديقة زراعية، مهمتها الحفاظ على خبرة استنباط سلالات جديدة، إذ وجد العلماء الأمل بمتحف حي مكرس لمحاصيل غذائية أساسية يتناولها الملايين يوميا: هي «البطاطا المتواضعة»
ففي أعالي جبال الأنديز بالبيرو، يتطلع الخبراء الزراعيون للوصول الى ما توصل اليه أسلافهم من الفلاحين لتحديد السلالات الجينية التي يمكن أن تسهم بمقاومة الدرنات للظروف المتكررة والشديدة من الجفاف والفيضانات والصقيع. 
تغطي حديقة البطاطا في كوسكو، مساحة من الأرض تبلغ 90 كيلومترا مربعا، وعلى ارتفاع يتراوح بين (3400 الى 4900) متر فوق مستوى سطح البحر، والتي «حافظت على واحد من أكثر تنوعات البطاطا المحلية في العالم، من خلال عملية تطور سريعة»، وفقا لأليخاندرو ارجوميدو، مؤسس جمعية الانديز، وهي منظمة غير ربحية لدعم الحديقة،  إذ يقول: «من خلال زراعتها على ارتفاعات ومجاميع مختلفة، ستبدأ البطاطا بخلق تعبيرات جينية جديدة والتي تعد مهمة لمواجهة تحديات
 تغير المناخ».
 
«إجعلي زوجة ابنك تبكي»
تحت سماء كوبالتية شديدة الزرقة، وبجوار بحيرة جبل متجمد، كان هناك رجل وصهره يقومان بجرف تربة سميكة بنية اللون، يجمعون خلالها درنات بطاطا «بوكاساويسيراي» المحمرة ويرمونها داخل أكياس، هي واحدة من بين 1367 صنفا مزروعا في الحديقة التي تقع ضمن وادي الأنكا المقدس. 
يشير خبراء الآثار الى أن تدجين البطاطا يعود الى ما قبل 7000 عاما مضت من قبل أسلاف فلاحي البيرو على شواطئ بحيرة تيتيكاكا، الواقعة بين بيرو الحديثة
وبوليفيا.
تعد حديقة البطاطا، مركزا ثانويا لأصل البطاطا التي صارت، اليوم، تزرع بجميع قارات العالم باستثناء القطبية الجنوبية، اذ يدرس علماء وكالة الفضاء الأميركية ناسا ومركز البطاطا الدولي ومقره البيرو، إمكانية زراعتها على
سطح المريخ.
كان لأحفاد الأنكا من الناطقين باللغة الكيشواية، مسميات لا عد ولا حصر لها، من وفرات البطاطا، بدرنات اختلفت الوانها وأشكالها بين بدينة وقصيرة رمادية كأنف الألباكا، الى صفراء مسننة كمخلب البوما، حتى أن هناك أصنافا تحتوي بشكلها على كتل كثيرة يطلق عليها الأهالي اسم «إجعلي زوجة ابنك تبكي» في إشارة على إحباطها للكثير من الزوجات اللواتي حاولن اجتياز اختبار تقشيرها.
تأتي البطاطا من كل لون وملمس تتنوع ما بين الأحمر والأصفر والأزرق والبنفسجي وأحيانا بلون زهري صادم بحلقات بيضاء عند قطعها الى نصفين، بعضها تأتي بملمس ناعم وأخرى شمعي وأخرى مجمدة وشديدة المرارة لا يمكن تناولها الا بعد نقعها، وتجفف عن طريق تجميدها على أسطح المنازل ويداس عليها بالاقدام لنزع القشرة عنها، ويمكن الاحتفاظ بها لشهور لاستخدامها بحساء الشتاء. لكن اليوم، صارت هذه البطاطا تعاني من وطأة ارتفاع درجات الحرارة عالميا، والذي باتت تجذب آفات أكثر، ما أجبر الفلاحين على زرع المحاصيل في مناطق أعلى من الحديقة على حدود الأرض
الصالحة للزراعة. 
 
الجد البري
تقول ماري هاغا، المدير التنفيذي لمنظمة كروب ترست: «لطالما تكيفت تلك المحاصيل، لكن التغير المناخي سريع للغاية، لدرجة ان هذه النباتبات المسكينة لم تعد قادرة على التكيف معه»، مضيفة «لذلك نحن بحاجة للتنوع وهو ما نستخدمه خلال انتاجنا لنباتات جديدة يمكنها تحمل
المناخات الجديدة».
 يطلق السكان المحليون على الحل المحتمل لهذه المشكلة بـ»الجد» البري للبطاطا المدجنة، التي لا تزال تنمو على المرتفعات وترعى فيها خراف الالباكا والحمير. تشبه ثمرتها الخضراء كثيرا ثمار الطماطم الصغيرة أكثر من كونها بطاطا، اذ يوضح نازاريو كيسبي، مزراع من المنطقة، بأن بذورها تنتشر من خلال روث الحيوانات، لذا تنمو غالبا داخل الحظائر. يقول ارغوميدو: «في المختبرات، يعكف العلماء على حل هذا الأمر عن طريق نقل الجينات والهندسة الوراثية، لكن الفلاحين هنا، يقومون بهذا العمل منذ
آلاف السنين». 
يتم خزن البطاطا المنتجة داخل بنوك موقعية للبذور، إذ يتم حفظ كل ثمرة بطاطا داخل كيس ورقي مشفر ويتم تبريدها بوضعها في خنادق مملؤة بمياه مجلدة ومنارة عن طريق نوافذ من السطح لمنعها من تكوين البذور. خلال العام 2017، تم نقل 650 نموذجا الى قبو سفالبارد العالمي للبذور، في النرويج ضمن الدائرة القطبية الشمالية، لكي تخزن بدرجة حرارة 18 مئوية
تحت الصفر. 
أما في العاصمة البيروية، ليما، يشتمل المركز العالمي للبطاطا CIP، أكثر من 4600 نوع من البطاطا، فضلا عن كونه أكبر بنك للمعلومات الوراثية. وفي افريقيا وآسيا، حيث البطاطا هي عامل أساس بمكافحة الجوع ومصدر للدخل، يتم انتاج بطاطا مسرعة النضج، ومحصنة بيولوجيا والتي اسهمت بتحسين الانتاج في الصين، على وجه الخصوص، التي تعد من أكبر منتجي العالم للبطاطا بنسبة تبلغ 22 بالمئة من اجمالي الانتاج العالمي.  وفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن 75 بالمئة من التنوع في المحاصيل قد فقد ما بين الاعوام 1990 و2000 وان ما يقدر بنحو 22 بالمئة من الأقارب البرية للمحاصيل ستختفي بحلول العام 2055 بسبب عوامل التغير المناخي. 
 
*صحيفة الغارديان البريطانية