د.عبد الواحد مشعل
يعد عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين،عصر المثقف العربي ،لأنه تمكن خلاله من حمل راية التحديث عاليا، ولاسيما ما يتصل بحقوق المرأة، وقد انبرى أعلام الثقافة العربية انذلك أمثال قاسم أمين ومن عاصره للدفاع عن قضية المرأة بصفتها جزءا حيويا من عملية التحديث،كما حمل المثقف العراقي راية الدفاع حقوق المرأة في المناسبات المختلفة وقد كان الشاعر والمثقف العراقي المتحدي جميل صدقي الزهاوي قد صدح في شعره بدعوته الى تحرر المرأة وجعلها فاعلة في الحياة الاجتماعية والثقافية،والعمل على تحويل النظرة السلبية لعمل المرأة وتعليمها ومشاركتها السياسية،الى نظرة ايجابية وفاعلة في تحقيق خطوات مهمة في عملية التحديث الثقافي في العراق، وقد تميزت فترة النصف الأول من القرن العشرين بأنها أهم المحطات التاريخية في تاريخ المثقف العربي بشكل عام والمثقف العراقي بشكل خاص، إذ امتلك الحرية وعبر بصدق عن ظواهر المجتمع فكان بحق مثقفا قد خرج من مجال اختصاصه الى الاهتمام بقضية عامة ،وقد كان الدفاع عن حقوق المرأة العراقية من أولى القضايا التي دافع عنها ،أما فترة ما بعد منتصف القرن العشرين و حتى المرحلة الحالية، فان المثقف العربي ومعه العراقي قد انحرفت بوصلته عن الاهتمام الكافي بقضايا المجتمع، ومنها قضية المرأة، وأصبح أكثر اهتمامه يرتبط بما تمليه عليه أيدلوجيته، أي ان المثقف في المنطقة العربية لم يعد يولي اهتماما صميميا بقضية عامة، إنما انحصرت اهتماماته بما تهتم به النظم الرسمية بعد مرحلة الاستقلال الوطني،معتبرين أن عملية التحول الثوري الاشتراكي كفيلة بتقديم ما يحتاجه الإنسان،فنجد بعض المثقفين العراقيين قد عاشوا ادوارا لم تولد بعد على أن تكون قضية المرأة جزءا من الصيرورة الحضارية المتوقعة، وقسما اخر لبس لبوس الأيديلوجية سواء الأممية أو الدينية أو القومية، وقد نظروا الى قضية المرأة على وفق أيديلوجياتهم بحيث غاب دور المثقف الذي ينطلق نحو تبني قضية المرأة بصفتها قضية إنسان يتوق الى التحرر من القيود الاجتماعية، ومن تسلط الرجل وتراثيته الأبوية السلطوية،المنبثقة أصلا من القيم القبلية أو العشائرية القائمة على الذكورية من دون أن يكون للمرأة رأي مسموع، لذا فانه من الضروري أن ينصب اهتمام هذا الطرح على معالجة الموضوع من خلال مقارنة تلك القضية في مرحلتين، الأولى المساحة والاهتمام الذين فسحتهما له الساحة السياسية والثقافية في مطلع القرن العشرين الى الاهتمام بقضايا التحديث وقضية تحرر المرأة على وجه الخصوص ومرحلة النظم الجمهورية أو الثورية في المنطقة العربية ومنها العراق الذي أصبح المثقف فيه أسير السياسات المعلنة للدولة التي يعيش فيها إلا ما قد ندر، وبما يتوفر امامه من فرص التعبير، ومع التحولات التي حصلت في المنطقة العربية ومنها العراق وأتيحت له الحرية النسبية في التعبير عن قضايا الإنسان حتى وقع في إشكالية صياغة دعواته بطريقة تتوافق مع وظيفته وكما كان اقرانه في المرحلة من الحماسة والارادة، وهذا لا يخرج عن تأثير عوامل ذاتية موضوعية ، فالمثقف العراقي اليوم يعيش إشكالية إعادة تلك الصياغة التي كان فيها الزهاوي وغيره يعملون على صياغة أفكارهم، إذ يواجه اليوم إشكالية تبني قضية المرأة وحقوقها الثقافية والاجتماعية، بإحساس وشعور عميقين يكون لهما صدى في طول البلاد وعرضها، إذ لم يعد لدينا المثقف الذي يخرج من دائرة اختصاصه ليهتم بقضية جوهرية كهذه، ويظهر أن المسألة لم تعد كما كانت في عصر النهضة وعصر التحولات التاريخية التي شهدها العالم العربي ومنه العراق،فالمثقف اليوم مسلوب الإرادة ويعيش حالة من الاغتراب والتهميش والإبعاد، وبالتالي فهو غير قادر على تبني قضيته هو، فكيف يكون قادرا على تبنى قضية هو لم يعد يمتلك التأثير الفاعل فيها تحت وطأة ظروف المجتمع المتغيرة، فلم يعد المثقف يدافع عن قضية تستحق الدفاع في نظره خارج ثقافته المحلية وإيديولوجيته وانتمائه الفرعية،فالعجب أن ترى المثقف ولاسيما العلماني يقع تحت تأثير أسوار طائفته أو عرقه، وبهذا فان المثقف على الأغلب لم يعد مستقلا أو صاحب قضية مجتمعية إنما يدور في حلقة محليه ضيقة.