{صدمة} الأسواق بخفض المعروض تحقق السعر العادل لبرميل النفط

اقتصادية 2020/01/12
...

د. محمد رياض حمزة 
 
عندما تعمل الدول التي تستورد النفط الخام، وبكل الوسائل، لإبقاء أسعار النفط منخفضة أو بما يتناسب مع مصالحها وهيمنتها على الأسواق دون الاكتراث بالضرر التي تلحقه بالمنتجين، فإن على منتجي النفط  ومصدريه في منظمة الدول المنتجة  ( أوبك) وخارجها إتخاذ إي إجراء يضمن مصالحهم . فإجراء تخفيض كبير يُعَرِّضُ أسواق النفط  لصدمة نزولية  للمعروض من النفط الخام سيعيد للاسواق توازنها ويتحقق التعادل مع ستراتيجية " الهيمنة" على مصدر الطاقة الأهم في العالم.  أحدث التوقعات أقل تفاؤلاً بتحقيق سعر مجز لبرميل النفط المصدر من دول (أوبك) بسبب الستراتيجية الأميركية لإبقاء الأسعار منخفضة ما أمكن. إذ ان عام 2020 عام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية، اذ يجاهد الرئيس دونالد ترامب ومعه الحزب الجمهوري للبقاء في البيت الأبيض.  
بمعنى أن متوسط السعر المقبول  لغالون البنزين له تأثير مباشر في قرار الناخب الأميركي الذي يتمحور الآن بين 2.2 ـــ 2.6 دولار للغالون. فيما كان سعر الغالون بالقرب من 4 دولارات للأعوام 2014  و 2016. 
الرئيس الأميركي  دونالد ترامب وفي فقرة من كلمته يوم 8 كانون الثاني 2020 بشأن تصاعد التوتر مع ايران تطرق لستراتيجيته للطاقة فقال " على مدار السنوات الثلاث الماضية ، تحت قيادتي ، أصبح اقتصادنا أقوى من أي وقت مضى ، وحققت أميركا الاستقلال في حاجتها للطاقة. 
هذه الإنجازات التاريخية غيرت أولوياتنا الستراتيجية. هذه الإنجازات لم يكن أحد يعتقد أنها ممكنة. وأصبحت الآن من الخيارات المتاحة لنا في الشرق الأوسط .نحن الآن المنتج رقم واحد للنفط والغاز الطبيعي في أي مكان في العالم. نحن مستقلون ولا نحتاج إلى نفط الشرق الأوسط."
  ولأهمية الوقوف على صحة ما قاله " ترامب "فإن  تدفق النفط المُصدّر إلى الولايات المتحدة الأميركية في أحدث إحصائية نشرت على موقع (  eia  ) إدارة الطاقة الأميركي: "حتى نهاية  عام 2018 :  استوردت الولايات المتحدة حوالي 9.94 مليون برميل يومياً من النفط من 90 دولة، تشمل النفط الخام ، سوائل غاز الهيدروكاربون، المنتجات البترولية المكررة مثل البنزين ووقود الديزل ، والوقود الحيوي بما في ذلك الإيثانول والديزل الحيوي. شكل النفط الخام حوالي 78  بالمئة من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط في عام 2018 ، وشكل النفط غير الخام نحو 22  بالمئة من إجمالي واردات البترول. وفي عام 2018 ، صدرت الولايات المتحدة حوالي 7.60 مليون برميل في اليوم من النفط إلى حوالي 190 دولة و 4 مناطق أميركية ، منها حوالي 27  بالمئة من النفط الخام و 73  بالمئة من النفط غير الخام. بلغت الواردات الصافية الناتجة (الواردات ناقص الصادرات) حوالي 2.34 مليون برميل / اليوم. "
كانت أكبر خمس دول صدرت النفط ومشتقاته  للولايات المتحدة  الأميركية في عام 2018 هي كندا والمملكة العربية السعودية والمكسيك وفنزويلا والعراق.وتستهلك الولايات المتحدة  فقط كمية صغيرة من النفط الخام مباشرة .إذ يتم تكرير كل النفط الخام تقريباً الذي يتم إنتاجه أو استيراده داخل الولايات المتحدة  إلى منتجات بترولية مثل البنزين ووقود الديزل وزيت التدفئة ووقود الطائرات النفاثة ،. 
ففي عام 2018 ، استهلكت الولايات المتحدة حوالي 20.5 مليون برميل من النفط يومياً ، أو ما مجموعه حوالي 7.5 مليار برميل من المنتجات 
البترولية. " فإنتاج النفط الخام الأميركي والمستورد منه واستهلاك مشتقاته واقع لا يزال قائماً في مطلع عام 2020.
ومن قبل ماقاله ترامب نقرأ تصريحات دان برويليوت نائب وزير الطاقة الأميركي لـشبكة ( CNBC )يوم 9 ايلول 2019 ": ان الولايات المتحدة الاميركية  تريد تحقيق الهيمنة الكاملة على الطاقة بغض النظر عما يحدث لأسعار النفط. وقال "برويليت" لصحيفة (سي إن بي سي هادلي جامبل) في مؤتمر الطاقة العالمي في أبو ظبي: "سياسة الطاقة لدينا ليست مصممة للتأثير في الأسعار، وهذا ليس هو ما نفعله ، ومع ذلك ، فإن الهدف تحقيق أرقام إنتاج أعلى لدينا".
وقال برويليت "سياسة الطاقة لدينا ليست مصممة للتأثير في السعر فلدى الرئيس ترامب ستراتيجية" فعندما تحدث عن هيمنة الطاقة في العالم  فإنه يعني ببساطة أننا سوف ننتج أكبر قدر ممكن من الطاقة، وبأقل تكلفة ممكنة مهما حدث لأسعار أي منتج  في العالم ، كالكهرباء ، لا يهمنا حقاً وليكن ما يكون . ويجب أن أقول، سيستمر الإنتاج الأميركي في الارتفاع طوال عام 2019 وبالتأكيد حتى عام 2020".
 ونقلاً عن بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأميركية EIA  قال برويليت إن أميركا تسير على الطريق الصحيح لضخ أكثر من 13 مليون برميل يومياً هذا العام وربما تصل إلى 13.5 مليون برميل يومياً في عام 2020. و"سيكون لذلك تأثير عميق في 
الأسعار".
المملكة العربية السعودية باعتبارها  المُصدِّر الأكبر للنفط الخام  في العالم ومن خلال منظمة ( أوبك) تقود مساعي هدفها تحقيق سعر مجزٍ للبرميل بما يتفق وموازنة المملكة 2020 .غير أن التوقعات اتجاه سعر البرميل خلال 2020 متباينة  توقعات المصارف السعودية تختلف عن توقعات  صندوق النقد الدولي، ولننظر إلى أرقام موازنة 2020 بناء على توقعات مصرف " الراجحي كابيتال". بحسب حساباته أن المملكة ستحتاج في عام 2020 سعراً لتعادل الميزانية يقدر بنحو 71 دولاراً للبرميل. أما بالنظر إلى أرقام صندوق النقد الدولي فإننا نرى أن توقعاته أعلى من توقعات الراجحي بنحو 13 دولاراً.أي 84 دولاراً للبرميل لعام
 2020.
 أما توقعات بيوت الخبرة الأميركية  فملخصها   لأسعار عام 2020  لا يبدو مبشراً للدول المنتجة للنفط ،إذ يرى خبراء الارصاد أن سعر خام "برنت" القياسي للنفط في العالم يتراوح بين 59 و 70 دولاراً للبرميل لعام 2020 . 
و استناداً إلى توقعات متباينة  للعرض والطلب العالمي على النفط الخام ومشتقاته.  آخذين  بعين الاعتبار ما إذا كانت أحدث اتفاقية لخفض إنتاج (أوبك) ستشهد امتثالًا تاماً من الدول الأعضاء.
المحللون المتابعون الذين وثقت  (  CNBC )   تحليلاتهم يرون أن  الطلب ومعه الاسعار يتجهان نحو الهبوط  خلال عام 2020. فإدارة معلومات الطاقة الأميركية EIA تتوقع أن متوسط السعر الفوري  لبرميل "برنت" يبلغ 61 دولارا للبرميل في عام 2020 ، أي أقل من متوسط 2019 البالغ 64 دولارا للبرميل بسبب التوقعات بزيادة مخزونات النفط العالمية ، خاصة في النصف الأول من العام
 المقبل".
ويرى بنك ( MUFG  )الياباني أن أسواق النفط ستحقق فائضاً صغيراً قدره 0.3 مليون برميل يومياً في العام المقبل" ويتوقع أن يسجل متوسط سعر النفط بين59 دولاراً و 55 دولاراً لبرميل  برنت وخام غرب تكساس الوسيط ، على التوالي ، في عام
 2020. "
  وأما معهد التمويل الدولي (IIF)    الأميركي  ، يرى أن الإنتاج القوي من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل ، المقترن بضعف الامتثال من جانب بعض دول أوبك وانخفاض الطلب على النفط على مستوى العالم "قد يرفع المخزونات العالمية بمقدار 1.1 مليون برميل فتتراجع الأسعار في عام 2020".
  لما تقدم  فان الأسواق ستتأثر بمستويات الامتثال لاتفاق خفض إنتاج (أوبك) وظروف  السوق قبل اجتماع  المنظمة في آذار 2020 الذي قد يتم فيه اتخاذ خطوات خفض أخرى لإنتاج أعضاء 
المنظمة . 
لكن حتى أعلى التوقعات سعراً لبرميل برنت بـ 70 دولاراً تعد غير مجدية ولن تحقق التوازن في موازنات معظم دول أوبك بما فيهم السعودية. ويقول محللون ان السعودية تحتاج الى سعر نفط يتراوح بين 77 و 78 دولاراً للبرميل لموازنة
 ميزانيتها. تقرير ( أوبك ) لشهر تشرين الثاني 2019 جاء فيه : في عام 2019 ، لم يتغير نمو الطلب العالمي على النفط ، على الرغم من تصاعد إنتاج عدد من دول الشرق الأوسط في الربعين الثالث والرابع من عام 1919 . يقابله انخفاض طلب  دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( أوسيد) . والأميركيتين خلال عام 
 1919. 
فيما يقدر نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 0.98 مليون برميل / اليوم في عام 2020، ولا يزال نمو إمدادات النفط من خارج منظمة أوبك لعام 2019 عند 1.82 مليون برميل في اليوم على أساس سنوي ، حيث ارتفع إنتاج النفط عن المتوقع  خلال عام 2019.
 وتنشر وسائل الإعلام المتابعة  لتطورات  أسواق النفط  يومياً عدداً من المسببات التي لا يمكن التحقق من صدقها  وتؤثر في ارتفاع أو هبوط الأسعار كتخمة المعروض التي  كانت موجودة في أسواق النفط، منذ عام 2005 . وكانت الاسواق تتسلم شحنات من النفط تفوق الطلب وكان تأثيرها ضئيلاً في الأسعار التي بقيت فوق 100 دولار للبرميل قبل
 2014. 
وكذلك يتكرر ذكر  الطلب على النفط الخام  الذي  كان ولا يزال وسيبقى  السلعة الحيوية الأهم  للأنشطة الاقتصادية والحياتية والتقنية في العالم. إذ يستهلك العالم ما يتجاوز 93 مليون برميل يومياً، فالطلب على النفط يتنامى ولم يتوقف. وخلال السنوات الخمس (2014  – 2019) تعافى الاقتصاد العالمي، وكان الطلب الآسيوي المتصاعد على الطاقة السبب المباشر في تجاوز الأسعار 145 دولاراً للبرميل عام 2008.  أما عامل الخزين الستراتيجي الأميركي من النفط ومشتقاته الذي  يصدر عن معهد البترول الأميركي كل يوم أربعاء من كل أسبوع عن مستوى الخزين من النفط الخام ومشتقاته ، فكلما تحدث المعهد عن ارتفاع الخزين انخفضت أسعار النفط وكلما انخفض الخزين ارتفعت أسعار النفط. ولا يمكن التحقق من دقة وصدق تلك البيانات. 
وقد يمكن أن تستخدم هذه البيانات للتأثير في مستوى الأسعار أسبوعياً، إذ تتناسب كمية المخزون الأميركي مع الأسعار عكسياً، وبزيادتها تنخفض الأسعار وبانخفاضها ترتفع 
الأسعار. 
وتظهر أحدث إحصائية إجمالي استهلاك النفط في أوروبا وأوراسيا انه في عام 2018 ، تم استهلاك ما يقرب من 19.4 مليون برميل من النفط يوميا في أوروبا وأوراسيا.(موقع (Statista). في آخر جلسات  تداول في بورصات النفط تداول خام برنت الاوروبي القياسي عند ( 66.60 ) دولاراً للبرميل . أما  خام غرب تكساس الوسيط فتم تداوله عند( 61.57 ) دولاراً
 للبرميل. 
وقال الرئيس التنفيذي لشركة OilX  ـ فلوريان تالر ـ لـ "أويل برايس  "لقد أنهت الأسعار العام بتفاؤل يقارب 70 دولاراً لبرميل برنت ونتوقع تواصل الدعم  خلال الربع الأول من عام 2020 " "وستبقى كل الأنظار في آذار المقبل  على (أوبك)  والمنتجين الاخرين ما إذا كان سيتم العمل على تعديل الإنتاج . ( المصدر : وكالة رويترز) .
 سعر برميل النفط  ولدى أكثر التحليلات تفاؤلا لم  يسجل  (70) دولاراً منذ عام 2016 . وحتى هذا السعر لا يعوض الخسائر التي تتعرض لها دول ( أوبك)، إلى ما تقدم نستنتج أن الولايات المتحدة الأميركية  والدول المستوردة للنفط ومشتقاته كافة  تعمل بكل الوسائل على إبقاء أسعار النفط في إطار مصالحها دون الاكتراث للخسائر التي تتعرض لها الدول المصدرة. المطلوب صدمة خفض كبير مدروس للمعروض من النفط الخام من قبل الدول المصدرة يعيد الاسواق الى التوازن بين العرض والطلب وللأسعار مستوياتها العادلة .