غالاغار يحظى بعفو الرئيس رغم جرائمه

بانوراما 2020/01/12
...

ديف فيليس ترجمة: بهاء سلمان
ظهر أفراد قوة العمليات الخاصة الابتدائية للبحرية الأميركية واحدا تلو الآخر، مرتدين البلوزات والقمصان الخفيفة بدلا من الزي الرسمي، لاخبار المحققين بما يعرفونه. كانت العصبية بادية عليهم، وهم يتنقلون بين الكراسي، ويفركون راحة أيديهم ويضغطون قبضاتهم على جباههم؛ وكانوا أحيانا يتوقفون وسط الكلام ليجهشوا بالبكاء.
"آسف لهذا الوضع،" هكذا قال كريغ ميلر، أحد أكثر أفراد مجموعة القوة مرورا بما حصل، وكان موجها نظره الى الجدار، محاولا اخفاء بكائه. "كانت هي المرة الأولى، وأنا حقا منهار بسبب ما حصل." وكانت تسجيلات المقاطع المرئية للمقابلات التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز تمثل جزءا من كنز دفين لمواد التحقيق الذي تجريه البحرية الأميركية بخصوص الملاحقة القضائية لرئيس العمليات الخاصة ادوارد غالاغار بسبب التهم المتعلّقة بجرائم الحرب، وبضمنها القتل.
 
التمادي بالشر
توفر هذه المقاطع الفرصة الأولى خارج قاعة المحكمة للاستماع مباشرة من رجال مفرزة الفا، الفريق السابع التابع لقوة العمليات الخاصة الابتدائية، الذين رفض دونالد ترامب شهاداتهم اللاذعة حيال قائد مفرزتهم حينما قلب قانون العدالة العسكري لأجل حماية القائد غالاغار من العقوبة.
قال ميلر للمحققين: "لقد كان غالاغار ينقط شرا،" وقال جوشوا فيرينز، قناص تابع للقوة: "كان الرجل ينفث سما،" وقال كوري سكوت، المسعف العامل ضمن القوة: "بامكاننا القول أنه كان بارعا للغاية في مهارة قتل أي شخص يتحرّك." مثل هذا الأوصاف الرهيبة للقائد غالاغار، الذي خدم ضمن ثماني مهمات قتالية، تناقض تماما تصوير ترامب له خلال أحد التجمعات السياسية الأخيرة في ولاية فلوريدا، حينما قال أنه "أحد مقاتلينا العظام".
رغم عدم اشتراك قوة العلميات الخاصة الا قليلا بالقتال في العراق، أدلى أفراد القوة وكالة التحقيقات الجنائية التابعة للبحرية الأميركية بما شاهدوه من أفعال مفجعة أوجعتهم نفذها قائد مفرزتهم خلال انتشارهم سنة 2017 في العراق. ولم يكن عليهم فقط التخفيف من الأحداث المؤلمة ووصف المشاهد المروّعة، فقد توجب عليهم أيضا كسر قانون الصمت القوي غير المدوّن المعمول به ضمن القوة، التي تعد أحد أهم القوات الخاصة للولايات المتحدة.
وتشمل المعلومات المهمة أيضا آلاف الرسائل النصية التي بعثها أفراد القوة فيما بينهم حول الأحداث، والملاحقة القضائية للقائد غالاغار، لتوفر بمعية عشرات الساعات من المقابلات المسجلة تبصرة كاشفة لرجال المفرزة، الذين لم يتحدثوا علانية حول القضية مطلقا، وعن القائد الذي خذلوه. وقال أفراد المفرزة أنهم شاهدوا غالاغار وهو يطلق الرصاص على المدنيين، ويطعن بسكين حاد حتى الموت أسيرا مصابا، ويظهر مقطع مرئي صورته كاميرا مثبتة على الخوذة أسيرا "داعشيا" بعمر المراهقة كان بالكاد في وعيه، جلب الى المفرزة شهر آيار 2017، وبعدها أغلقت الكاميرا.
 
أفعال شنيعة
وقال ثلاثة أفراد من القوة للمحققين أنهم شاهدوا غالاغار وهو يطعن الأسير الضعيف البنية بلا سبب يذكر، وكيف أنه أدى حركات احتفالية فوق جثته ليبدو منتصرا. وأشار ميلر الى شعوره بالخزي من هذه التصرفات التي لم يشهد لها مثيلا في حياته، مؤكدا تباهي غالاغار بالصور التي جمعته مع جثة القتيل. ونوه تيموثي بارلاتور، محامي غالاغار، الى أن المقاطع المرئية تعج بالتناقضات والتزييف الذي أنشأ "خارطة طريق واضحة الى التبرئة،" فقد برأت محكمة عسكرية غالاغار من كثير من التهم الموجهة اليه خلال شهر تموز الماضي، وأعفي من جميع العقوبات في شهر تشرين الثاني الماضي من قبل ترامب.
منذ اعتقاله قبل سنة، أصر غالاغار على ارتباط التهم الموجهة اليه بستة أفراد ناقمين من مفرزته من الذين لا مقدرة لهم على التواصل مع قدراته العالية، وأرادوا اخراجه من القوة مرغما. يقول غالاغار: "رد فعلي الأول لرؤية هذه المقاطع المرئية كانت الدهشة والازدراء لأنها تؤلف أكاذيب وقحة حولي، لكنني أدركت سريعا خوف هؤلاء الرجال من افتضاح أمر عدم شجاعتهم لما أدوه خلال الواجبات، وشعرت بالأسى عليهم لاعتقادهم بضرورة تلطيخ سمعتي، لكنهم لم يعوا مطلقا كيف ستكون عاقبة أكاذيبهم. ومع شعوري بالانزعاج، منحتني تلك المقاطع المرئية الثقة لأنني عرفت بعدم صمود أكاذيبهم مطلقا حينما يجرى استجواب حقيقي تحت اشراف محكمة مختصة. وعززت أكاذيبهم ورفض وكالة التحقيقات الجنائية طرح أسئلة صعبة أو تثبيت رواياتهم من اصراري على الذهاب للمحاكمة وتبرئة اسمي."
ولم تكشف المقابلات المسجلة ونصوص الرسائل المتبادلة بين أفراد المجموعة وجود أية خدعة منسقة بين أفراد القوة ضد رئيس المفرزة، بل تظهر رجالا كانوا مترددين للقدوم للشهادة، والذين كانوا يحث بعضهم البعض على مقاومة الضغوط الخارجية والتهديدات بالعنف، وأن يكونوا نزيهين. وعندما تساءل بعض أفراد المجموعة عن نتيجة توريد تقارير عن غالاغار الى قادتهم، كتب أحدهم برده عليهم: "انه قرارهم، نحن بحاجة فقط لاعطائهم 
الحقيقة."
خلافات وخيانة
هناك قانون غير معلن بين فرق المارينز يمنع أفراد قوات العمليات الخاصة من الافادة بتقارير عن أقرانهم لسوء تصرفاتهم؛ ومن الممكن أن يؤدي تحقيق داخلي الى اغلاق المهمات المختارة أو ينهي الحياة الوظيفية للمشتكين والمتهمين على حد سواء، وأي شخص ترد عنه تقارير تفيد بأثارته مخاوف خارج النسيج المتين لأفراد القوة سيخاطر بوسمه خائنا. يقول ريك هاس، القائد المتقاعد الذي خدم ثلاثين سنة ضمن قوات العمليات الخاصة للبحرية الأميركية: "في عالم مثالي، لا يوجد هناك خطر، لكن هذا غير موجود بالنسبة لعالمنا.. الفرق القتالية منقسمة إزاء هذا الواقع، بشكل لم أشهد له مثيلا على الاطلاق."
وخلال التحقيق داخل غرف مزدحمة في مدينة سان دييغو، تحدث أفراد القوة الى محققي البحرية، واصفين حال اليأس الذي خيّم على المفرزة بسبب رئيسها الذي بدت أهم أولوياته زيادة أعداد القتلى، ووصفوا كيفية استهدافه للنساء والأطفال، وتبجحه "بتطاير براقع النساء في السماء". وأشار بعض الأفراد الى زيادة اعتقادهم بتعريض غالاغار لهم لنيران العدو بغية اغواء مسلحي "داعش" لكشف مواقعهم، متحدثين عن اعتقاد رئيسهم بأن الاصابات التي تلحق بمفرزته سترفع من حظوظه للحصول على وسام النجم الفضي الرفيع.
وأخبر أفراد المفرزة المحققين أنهم حاولوا مرارا التبليغ بشأن ما رأوه، لكن سلسلة القيادة كانت ودودة مع غالاغار ولم تتخذ أي إجراء بحقه. في النهاية، وبحلول نيسان 2018، انتقلوا الى خارج ادارة قواتهم، ومضوا الى وكالة التحقيقات الجنائية التابعة للبحرية، ليلقى القبض على غالاغار بعدها بعدة شهور. وشهد سبعة من أفراد المفرزة البالغ عددم 22 في المحكمة بمشاهدتهم لرئيسهم وهو يرتكب جرائم حرب، بينما قال اثنان آخران انهما لم يلاحظا أي دليل على الجرائم، ورفض الآخرون التعاون مع التحقيق، وأكد محامي البعض منهم أنهم لن يدلوا بشهاداتهم إذا لم توفر لهم الحصانة.
ومنذ بدء المحاكمة، وجه الرئيس غالاغار على الدوام اهانات لرجاله على مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال قناة فوكس، وخصوصا كريغ ميلر. وتقاعد غالاغار من البحرية مع مرتبة الشرف الكاملة في شهر تشرين الثاني الماضي، ليشرع بحياة مدنية جديدة.