عندما تصبح الصحافة سبباً لسقوط حكومة مالطا

بانوراما 2020/01/12
...

 
جولييت غارسايد  ترجمة: خالد قاسم
 
 
لم تكن حملة من الاعتقالات والاستقالات الأخيرة والدراما والغضب الشديد لتطفو بصورة لم تشهدها مالطا منذ أجيال وتحدث  بهذا التصاعد لولا حاسة الشم القوية لكلب بوليسي يدعى بيتر. فقد كان الكلب يفتش المسافرين قبل منتصف تشرين الثاني الماضي عندما نبه أفراد الشرطة الى وجود رائحة نقود، بالأحرى الكثير منها.

فقد كشفت سلطات الجمارك 210 ألف يورو ضمن أمتعة رجل كان يستعد لصعود طائرة متجهة الى اسطنبول، واستدعيت وحدة الجرائم الاقتصادية، وبعد يوم على ذلك أدت الحادثة الى اعتقال سائق سيارة أجرة اسمه ملفين ثيوما.
اعترف ثيوما من خلال التحقيق مع الشرطة أنه عمل وسيطا في عملية قتل أشهر صحفية استقصائية مالطية دافني كاروانا غاليزيا. ونتيجة لادعاءات ثيوما تعيش أصغر دول الاتحاد الأوروبي أكبر أزماتها السياسية منذ ستينيات القرن الماضي عندما استقلت البلاد عن الاستعمار البريطاني.
يقع في قلب كل ذلك مقتل كاروانا غاليزيا التي ماتت قبل عامين عندما انفجرت قنبلة زرعت تحت مقعد سيارتها المستأجرة قرب منزلها بقرية بيدنيجا. وكشفت غاليزيا قبل ثمانية أشهر من موتها أن وزير الطاقة آنذاك كونراد ميزي وكبير موظفي رئيس الوزراء كيث شمبري استفادا من شركات خارجية سرية بعد توليهما مناصبهما بفترة وجيزة.
نفى الرجلان ارتكاب أية جريمة، وجعلت هذه الاكتشافات غاليزيا هدفا لانتقاد مؤيدي حكومة العمال لرئيس الوزراء جوزيف موسكات. وأتهم ثلاثة رجال بزرع القنبلة وينتظرون المحاكمة، لكن حتى وقت قريب كان تحقيق الشرطة متوقفا رغم وجود روايات عن معرفة الشرطة باسم وسيط محتمل منذ ربيع العام 2018.
 
أحداث متسارعة
عندما استدعى ثيوما محاميه، أعطى اسمين كان من الواضح أنه مستعد للحديث معهما. وطلب جيسون أزوباردي وهو محامي عائلة المقتولة وزميله سايمون بوسوتيل. ويشغل الرجلان عضوية البرلمان عن الحزب الوطني المعارض، اذ كان بوسوتيل زعيمه حتى 2017، وكانا بصدارة معركة لمحاسبة حكومة 
موسكات.
قبل المدعي العام شهادة ثيوما وحصل على عفو رئاسي، ومنذ تلك اللحظة وقعت اعتقالات واستقالات متتابعة بسرعة مذهلة. وإدعى ثيوما أن الرجل الذي دفع 150 ألف يورو لتنفيذ عملية القتل يدعى يورغن فينش.
يورغن رجل أعمال محلي لديه مصالح عمل في مجال العقارات والمقامرة، وعقد حكومي مربح لادارة محطة طاقة وألقي القبض عليه بحرا بعد محاولته مغادرة مالطا على متن اليخت الخاص به. أدلى يورغن بشهادته عن شمبري الذي أدار مكتب رئيس الوزراء منذ انتخابات 2013، وذكر أن شمبري له صلة بمخطط مقتل غاليزيا.
أقتيد شمبري للاعتقال بعد استقالته من منصبه واستجوبته الشرطة لمدة ثلاثة أيام قبل اطلاق سراحه. ولم يستجب محاموه لطلبات كثيرة للتعليق، لكنه كسر صمته وأخبر صحيفة محلية نفيه الادعاءات الموجهة ضده.
 
فساد مقنن
تبعت استقالة شمبري مغادرة مسؤولين آخرين منصبهما، اذ استقال ميزي ومن ثم وزير الاقتصاد، وهو هدف آخر لتحقيقات الجريمة. ونفى المسؤولان أية مخالفة جنائية ولم يعتقل أي منهما.
عقدت الحكومة إثر ذلك اجتماعا غير مخطط له لمناقشة منح يورغن عفوا رئاسيا مقابل أدلة ادعى محاموه أنها ستورط شمبري وآخرين، غير إن الحكومة رفضت ذلك.
لكن صحفيين علموا أن الاجتماع ناقش موضوعا آخر وهو بقاء موسكات رئيسا للوزراء، اذ يشن نائبه كريس فيرن حملة لتولي المنصب. وبرز فيرن قبلها بأيام عندما قال أن الضرر من هذه الفضيحة على سمعة مالطا يستحيل اصلاحه.
يعود الفضل الى دراما الأسابيع الماضية بادراك العاملين ضمن مقر رئيس الوزراء أن المراقبين من حول العالم يتابعون مداولاتهم عن كثب. وما يحدث في مالطا يهم أوروبا وكل من يرى تهديدا لحكم القانون داخل 
حدودها. 
ينظر الى دولة مالطا كأصغر دول الاتحاد الأوروبي بعدد سكان 500 ألف نسمة تقريبا، ولديها حق بالتصويت في اجتماعات المجلس الأوروبي مكافئ لكبرى اقتصاديات الاتحاد. وتمتعت البلاد بازدهار مالي بسبب المضاربات الرقمية وتبادلات العملة المشفرة وبيع الجنسية، فضلا عن مركز مالي لديه سمعة السيطرة الضعيفة على غسيل الأموال والتهرب الضريبي.
استغلت البلاد كبوابة دخول للأموال الى أوروبا من ليبيا وأذربيجان وروسيا وفنزويلا. وفي العام 2018 ألغى البنك المركزي الأوروبي رخصة بنك يدعى بيلاتوس، وكانت غاليزيا قد قامت بتحقيق بشأنه، بعد اعتقال مالكه الايراني لأنه انتهك العقوبات الأميركية على ايران.
أما موسكات فقد رفض الاستقالة، في البداية، حتى اكتمال التحقيق، وقوبل قراره بالخوف من أطراف كثيرة، من بينها ابنا الصحفية غاليزيا اللذان كانا ينتظران داخل مقر رئيس الحكومة، لكنه اضطر للتخلي عن منصبه مؤخرا نتيجة لضغوط سياسية بشأن 
القضية.