انتهاء مرحلة (الصبر الاستراتيجي) التي اقترنت بعهد الرئيس السابق اوباما وهي الفترة التي تنفّس العالم فيها الصعداء بعد توقيع اتفاقية (5+1) بين ايران والمجتمع الدولي وابتعاد شبح الحرب عن العالم، ولكن بدخول الرئيس ترامب البيت الابيض رجع ذلك الشبح القاتم ليخيّم مرة اخرى وبشكل اقوى واخطر ليدخل مرحلة التهور الاستراتيجي بعدم احتساب عواقب مخاطر الاعمال غير المدروسة التي تقوم بها الولايات المتحدة وفق منطق القوة المتفوقة،
بما يشبه وضع اصبع الديناميت في البرميل بحسب توصيف جو بايدن تعليقا على الضربة الاميركية التي استهدفت قادة النصر على داعش كلاً من الجنرال سليماني وابو مهدي المهندس، وهو التوصيف الاقرب لواقع الشرق الاوسط المشتعل اساسا والمتخم بالحروب والاضطرابات والمرشّح للانفجار في اية لحظة وسط استمرار الاستعراض الصارخ باستخدام القوة المفرطة والتلويح برد "حازم" تتطاير فيه الجثث والتوابيت، ناهيك عن احتدام حرب نفسية شرسة وتلاسن اعلامي حامي الوطيس، والغريب ان التداعيات الاخيرة جاءت بعد تأكيدات وتطمينات من قبل طرفي النزاع انهم لاينجرّون الى حرب قد تكون باكورة حرب عالمية ثالثة
طاحنة.
ولكن ليلة الجمعة 3 / 1 /2020 قد بدّدت كل الآمال التي كانت تراود المجتمع الدولي في ابعاد شبح الحرب فقد ازدادت احتمالات حدوث وقوع هذه الحرب، ومنذ ان طرح الرئيس ترامب برنامجه الانتخابي الذي حمل شعار اميركا اولا وتوعّد ايران من خلاله بضرورة تعديل برنامجها النووي كما وصف اتفاق (1 + 5) بانه كان من اخطاء سلفه اوباما ويجب تصحيحه كونه يضرّ بالأمن القومي الاميركي، ومن ثَمَّ بدأت الامور تأخذ منحى تصاعديا بخروج الولايات المتحدة من هذا الاتفاق ومن جانب واحد مع اعتراض حلفائها المشاركين فيه، وبعدها بدأت العقوبات الاقتصادية القاسية تنهال على ايران مع تهديد حلفاء طهران بالعقوبة نفسها في حال تعاونهم معها، ويفسّر المحللون الاستراتيجيون هذا الامر بسيناريوهين، الاول معاقبة ايران على توجّهها السياسي المعادي لاميركا منذ نشوء الجمهورية فيها وقطع العلاقات الرسمية بينهما (1980) اي بعد اقتحام (الباسيج) للسفارة الاميركية في طهران، والسيناريو الثاني هو محاولة الولايات المتحدة لكسر عناد ايران والضغط عليها لتعديل اتفاقية (5+1) وبما ينسجم مع رؤية ترامب التي طرحها في حملاته الانتخابية اي لي ذراع ايران الرافض لإعادة ماراثون المفاوضات الشاقة من جديد على اعتبار ان الاتفاق لم يكن مُرضيا لأميركا، ومن الغريب ان يتمسك اصحاب هذا السيناريو بهذا المبدأ حتى بعد وقوع الضربة التي اطاحت بكل الاحتمالات سوى الحرب التي يحبس العالم الان انفاسه بترقّب من حدوث اي رد فعل ايراني او اميركي قد يشعل تلك الحرب وجميع التحركات بين الطرفين تؤشر الى ذلك الاحتمال.
ويكمن التخبّط الاستراتيجي للولايات المتحدة بخصوص الضربة التي وجّهتها مؤخرا في:
1 ـ انها لم تحسب نتائج ضربتها المفاجئة التي استهدفت اغتيال اكبر رأسين قارعا تنظيم داعش وانتصرا عليه وجاءت على خلفية اتهام الولايات المتحدة لإيران بتحريك الموالين لها من الفصائل العراقية في حادثة حرق واقتحام سفارتها في بغداد قبل ايام، وهذا الاستهداف بحد ذاته وفي هذا الوقت سيجرّ جميع الاطراف الى حرب ضروس لن ينجو منها احد.
2 - الولايات المتحدة اختارت التوقيت الأسوأ في هذا الصراع محاولةً منها لخنق الطرف المناوئ لها واسقاطه، فإيران مازال اقتصادها يترنّح من هول العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على ايران، اما العراق فهو ليس بأفضل حالا من ايران بسبب الظروف الحساسة التي يمرّ بها الان من اندلاع تظاهرات مليونية حاشدة في وسطه وجنوبه مطالبة بالإصلاح ومقارعة الفساد وتأسيس عملية سياسية نظيفة وبوطن خال من التدخلات الخارجية، وفات الولايات المتحدة ان ضعف الطرف الاخر او قلة امكاناته لاتعني هزيمته، وافضل مثال على ذلك تجربتها المريرة في فيتنام في سبعينيات القرن الماضي والخسارة المدوية لها في هذا البلد والتي مازالت آثارها ماثلة للعيان افضل مثال، وفي الصومال في تسعينيات القرن ذاته. 3 - لم تحسب الولايات المتحدة حسابا في حال ارتداد الضربات التي توجّهها الى ايران عليها ومخاطرها على الامن القومي الاميركي وسلامة مواطنيها واراضيها، فضلا عن السلم الدولي الذي قد ينهار بسبب سياسة التهور غير محسوبة العواقب وقيام حرب عالمية ثالثة ستكون نووية بامتياز؛ لذا على المجتمع الدولي ان يتحرك.