مستقبل مشكلة المقاتلين الأجانب

بانوراما 2020/01/14
...


 
معهد بحوث السياسة الخارجية {IRPF} ترجمة: مي اسماعيل
 
سلطت الحروب التي وقعت بعد ايلول 2001 الكثير من الاهتمام على مشكلة المقاتلين الأجانب متنوعي الجنسيات؛ وهم أشخاص جذبهم التدخل في النزاعات الأهلية لأسباب دينية أو عرقية أو أيدولوجية، فجرى استخدامهم لصنع قوة قتالية على الأرض كانت غالبا وحشية وعشوائية للغاية عند ممارستها العنف. كشفت الحرب السورية شراسة أولئك المقاتلين، وكذلك ساحات القتال في العراق وأفغانستان والصومال واليمن وليبيا ومناطق عمليات حربية أخرى. 
لكن تلك الظاهرة ليست جديدة ولا تنتمي ببساطة الى العقائد الاسلامية؛ فعلى سبيل المثال شارك مقاتلون أجانب كثيرون في الحرب الأهلية الاسبانية (1936-1939) من الشيوعيين والاشتراكيين والفاشيين. وهناك اليوم دلالات على مشاركة دعاة تفوق البيض ممن إنضموا إلى صفوف القوات الموالية لأوكرانيا والقوات الموالية لروسيا هناك. 
اهتم معهد بحوث السياسة الخارجية "FPRI" بهذا الموضوع منذ انعقاد مؤتمراته سنوات 2009، 2010، و2011، والعديد من الدراسات والبحوث حوله. واليوم نظم "برنامج الأمن القومي" مناقشة لبحث الموضوع؛ باشراف "ميشيل نونان" (مدير البرنامج)، ومشاركة الباحثين الأقدم "كولن كلارك" و"باراك ميندلسون"، ومشاركة "كيم كراغين" (باحثة مقاومة الارهاب بجامعة الدفاع الوطني) و"ديفيد ماليت" (استاذ مساعد بقسم العدل والقانون وعلم الجريمة في الجامعة الأمريكية).
يقول "نونان": "يهمنا الحديث عن معارك سوريا مؤخرا ومصير مقاتلي داعش الأجانب وعوائلهم هناك ممن تحتجزهم القوات الكردية؛ لكن مصيرهم بات موضع شك بعد التدخل العسكري التركي. ومما زاد الأمر تعقيدا ما ورد عن احتمال قيام تركيا "بتسليح" أولئك المقاتلين (الذين لا تسمح لهم دولهم غالبا بالعودة اليها)؛ بإعطائهم حرية العودة الى أوطانهم. فكيف يختلف دورهم خلال الصراع السوري عنه تجاه الأمثلة المبكرة، كما شهده العراق (2003 - 2011) أو أفغانستان (1979 - 1989، 2001 حتى اليوم)؟ وكم علينا أن نقلق في هذه الأحوال؟" 
 
قلق مبرر
يرى "كلارك" أن دور المقاتلين الأجانب يختلف عبر مناطق صراع اخرى (مثل العراق وأفغانستان) من نواح عدة مهمة، قائلا: "بدءا، نجد أن أعدادهم أكبر بكثير مما سبق.. يجب على المجتمع الدولي بأكمله (وليس الغرب فقط) القلق من عودتهم الى بلدانهم ليخططوا لهجمات اخرى؛ رغم تفاوت احتمالات حدوث ذلك (حسب رأيي) تبعا للدولة المعنية. تتحسن أساليب مواجهة الهجمات بتعاون دول العالم استخباريا وتطور علم الاحصاء الحيوي (البايومتري) وقواعد البيانات المشتركة. لكنني اعتقد أن الخطر الأكثر واقعية أن يعمد المقاتلون الاجانب الفارون من مراكز الاحتجاز للبقاء ضمن مناطقهم والاتصال بخلايا داعش داخل العراق وسوريا". 
تؤيد "كيم كراغين" هذا التحليل قائلة: "الوضع الحالي لسوريا متزعزع تشوبه الكثير من التقلبات؛ ومن وجهة نظر أولئك المقاتلين أرى ثلاثة اتجاهات مقلقة: الأول- أن المقاتلين الاجانب القادمين من الغرب (سواء كانوا داخل السجون الكردية أو مخيمات النازحين وغيرهما) قد ينتهزوا فرصة الانسحاب الأميركي ليتخذوا طريقهم (خلسة) الى أوطانهم وينفذوا هجمات ارهابية. الثاني- أن المقاتلين الاجانب (من أي دولة) قد يستخدمون تلك الفرص ليتفرقوا بين مناطق نزاع أخرى؛ مثل- ليبيا أو مالي أو الفلبين أو أفغانستان. والثالث- احتمال اندماج أولئك المقاتلين مع داعش عبر خلاياه في سوريا أو العراق، والاستعداد للقتال مرة اخرى. من بين تلك الاحتمالات يبقى الأخير هو الأخطر والاقرب إلحاحا، ورغم أن التحالف الدولي ضد داعش أسس تعاونا بين العسكرية ومؤسسات تنفيذ القانون للحد من التهديد الذي يفرضه أولئك المقاتلين العائدين؛ لكن هذا تطلب موارد جمة بضمنها- الاستخبارات وتنفيذ القانون والجيش والاتفاقات الدبلوماسية. من المقلق أن ذلك الاهتمام والموارد قد تتناقص مع الوقت، وحينها (خاصة اذا كان المقاتلون الأجانب ما زالوا يعملون مع داعش)؛ سيتعاظم خطر العمليات الخارجية؛ تخطيطا وتمويلا وتنفيذا".  
يقدم "ديفيد ماليت" منظورا آخر؛ قائلا: "اعتمادا على أنماط سابقة للتصرف، ليس من المحتمل أن يشكل الجيل الحالي من المقاتلين الأجانب تهديدا ارهابيا محليا شديدا لوقت طويل؛ لكن مجاميع الاطفال وغير المقاتلين هم أفراد لم يسبق التعامل معهم ولا يمكن التنبؤ بهم. كان هناك مقاتلون أجانب اثناء الحروب الأهلية في روسيا والصين أكثر منهم في سوريا، كما جنّد الشيوعيون خلال تلك الصراعات نساء مدنيات غربيات ووفر لهن مناطق تسوق خاصة. لكنهن كن محدودات العدد؛ ولم يكن هناك آلاف من الأطفال ليؤخذوا بنظر الاعتبار. في دراسة قمت بها مؤخرا وجدت أن القليل من المقاتلين الأجانب ينخرطون في الارهاب المحلي، وأغلب من يحاول فعل ذلك يكون خلال الاشهر القليلة الاولى لعودته الى وطنه. لذا فإن هروب المحتجزين أو اطلاقهم سيكون تهديدا قصير الأمد؛ ولكن لا سبيل لدينا لمعرفة مدى تجنيد الاطفال فعليا، وإذا جرى ذلك، فما هو الدور الذي سيحاولون لعبه مستقبلا..".   
 
ارهاب عابر للحدود
يسرد "باراك ميندلسون" أسبابه للقلق من المقاتلين الاجانب قائلا: "أريد أن أؤكد أربعة أسباب هنا: الاول- هناك أعداد أكبر نسبيا من المقاتلين الاجانب يلعبون أدوارا مركزية أكثر مما كانوا في صراعات أخرى. الثاني- هم أفراد لديهم تجارب قتالية أكبر. الثالث- الكثير منهم تحركهم حماسة ايدولوجية لاعادة تصنيع ما يسمى بدولة الخلافة ونشرها عالميا. والرابع- جاذبية الأفكار العابرة للحدود، إلى جانب التطورات التكنولوجية؛ مما يُمكّن أولئك المقاتلين من تنفيذ تلك الافكار فعليا ونشر محيط التهديدات المرتبطة بها. إتسع دور المقاتلين الاجانب منذ الايام الاولى لحرب أفغانستان ضد السوفيت، وتزايد حجم مساهمتهم القتالية كثيرا، وانخرطوا خلال عقد الثمانينات بأعمال الاسناد فقط، كالخدمات اللوجستية والرعاية الطبية والعمليات الإعلامية؛ ولم يدخل ميدان القتال الفعلي سوى قليل منهم، فكانت أعدادهم ضئيلة مقارنة بالمقاتلين المحليين.  
"خلال الحملات العسكرية في البوسنة والشيشان وكشمير إبان تسعينيات القرن الماضي أزدادت أدوار المقاتلين الأجانب القتالية، وأظهروا كفاءة عالية بالاشتباك؛ لكن اعدادهم كانت قليلة نسبيا مقارنة بالمحليين، وهددت تجاوزاتهم بتقويض الأهداف السياسية لحركات التمرد التي انضموا إليها. لكن التحول الفعلي كان بعد الغزو الأميركي للعراق سنة 2003؛ إذ إحتل المقاتلون الاجانب موقعا مركزيا بقيادة الهجوم على المحتل والنظام العراقي الجديد. كما أنهم انتقلوا من كونهم قوة مساعدة إلى صانعي أجندة سياسية عابرة للدول؛ فأصبح الاردني أبو مصعب الزرقاوي وجها للمقاومة "الجهادية" في العراق، وحينما ضم جهوده للقاعدة سنة 2004 تعزز البعد الدولي للصراع.  
" إزدادت تلك النزعات بظهور ما يسمى بالدولة الاسلامية، خاصة بعد إعلانها اقامة خلافتها المزعومة سنة 2014؛ وهنا قام المتطوعون الاجانب بنصيب أكبر بكثير من مجريات التحرك مما وقع خلال أي حملة سابقة. علاوة على ذلك، وحين كان 
التنظيم بقيادة أفراد محليين أساسا؛ سعى لتعزيز أجندته الدولية بإعلان خليفته المزعوم التخلي عن القومية والمطالبة بالسلطة على جميع المسلمين في أنحاء العالم. قدّم تنظيم داعش مخططا "إيجابيا" لنفسه (استعادة الخلافة الوهمية)؛ فكان مختلفا عن التنظيمات الاجنبية السابقة التي أكدت على مساعدة المسلمين حينما يتعرضون للهجوم. 
بالفعل، حينما ينظر المرء لدوافع المتطوعين الاجانب للقتال في العراق وسوريا كان يبدو واضحا أن أغلبهم قبل ظهور تنظيم داعش وإعلان الخلافة المزعومة كانوا يرغبون بمساعدة السوريين ضد قوات الحكومية السورية، لكن دوافعهم تغيرت بعد اعلان الخلافة المزعومة؛ فباتوا يسعون للمشاركة ببناء ما تخيلوا أنه سيكون مجتمعا اسلاميا نموذجيا والعيش فيه. 
كان للتطورات التكنولوجية أيضا أثر مركزي بتغير مسار المقاتلين الاجانب منذ ظهور داعش؛ فخلال عقد الثمانينات أصدر "عبد الله عزام" صحيفة وارتحل بنفسه أو استخدم مبعوثين لتوزيعها. لكن تقنيات اليوم سمحت للمقاتلين بالوصول الى أي موقع وتحشيد اهتمام الجمهور واستحصال التزامه بفاعلية.. وهذا ليس حكرا على التنظيمات القتالية؛ إذ عززت التطورات التكنولوجية قدرة جميع أنواع الحملات العابرة لحدود الدول". 
تشظي التنظيمات الاساسية   
يتساءل "نونان": "رأينا سابقا أن تشظي التنظيمات الارهابية وانتشار مقاتليها الاجانب المتطوعين أمر مقلق، فقد انبثقت داعش من تنظيم القاعدة، وغالبا سيستمر المتطوعون والجماعات بالانتقال بين التنظيمات المختلفة وفقا للفرص المتاحة؛ فكيف نحلل هذا الأمر؟ وهل يقلل التشظي من إمكانيات التنظيمات أم انه فقط يضاعف احتمالات توليد المزيد من العنف؟"
يطرح "كلارك" رأيه قائلا: "يحمل مقتل أبو بكر البغدادي غالبا انشقاق بعض التنظيمات الفرعية وسيرها نحو الاستقلال عن داعش، ومع الوقت سيقود ذلك بدوره (حتما) لمزيد من التشظي؛ وهذا سيف ذو حدين.. فعلى جانب سيكون من الاسهل على الغرب تجنب مواجهة كيان متماسك يعمل وكأنه دولة أساسية ويمكنه حشد موارد بقدر ما كان بإمكان ما يسمى بالدولة الاسلامية في أوج اتساعها أن تحشدها (ومنها القدرة على تخطيط وتنفيذ عمليات مدوية في الغرب). ولكن على الجانب الآخر يعني التشظي والانحلال والانشقاق ظهور المزيد من التنظيمات التي يجب التعامل معها؛ والتي من المحتمل أن تركز الكثير منها على قضايا ضيقة فلا تشكل تهديدا للغرب؛ لكن بعضها الآخر قد يتسع في نهاية المطاف وبالتالي تتحول الى تهديد صعب بحد ذاتها". 
واستطردت "كيم كراغين" القول: "هذا سؤال ملتوي؛ فالتاريخ يقدم أمثلة متناقضة متعددة.. لكني أرى أن "التشظي" أو بروز مجاميع منفصلة أمر ايجابي على المدى المتوسط؛ فالتشظي يسبب خيبة الامل  ويؤذي الروح المعنوية. بعد الانفصال سيكون على المجاميع المتعددة التنافس مع بعضها لتجنيد أعضاء جدد وجمع المال والسلاح والموارد الاخرى.. لذا فإن كلف التشغيل ترتفع بتشتت التنظيمات؛ وهذا أحيانا قد يكون نتيجة بسبب الاقتتال الداخلي الذي يحرض عليه المقاتلون الأجانب.. لكنه عموما أمر ايجابي لقوى مجابهة الارهاب. 
مع ذلك لا اعتقد ان الفائدة المحتملة للتشظي تستحق المخاطرة؛ إذ قد يجري ارسال المقاتلين الأجانب أحيانا الى دول اخرى "للمساعدة"، أو حتى قيادة، المقاتلين المحليين. يجلب هؤلاء معهم تكتيكات وتقنيات جديدة، ومنظورا أكثر عالمية! وهذه معطيات جديدة يمكنها تحسين قدرات المقاتلين المحليين، وتقودهم لتغيير اختيارات أهدافهم؛ وبالتالي- تزيد من مستويات العنف. فقد أرسلت "الجماعة الاسلامية" (إحدى فروع القاعدة في جنوب شرق آسيا) مدربين الى الفلبين اواسط العقد الأول من القرن الحالي؛ فعلّموا المقاتلين المحليين صناعة متفجرات ذات مفاتيح تعمل بالضغط لتجعل من الصعب على قوات الأمن نزع فتيلها. كما أرسل ابو بكر البغدادي مندوبا عنه الى ليبيا ليقود جماعات محلية. هذه النماذج من مقاتلين أجانب "نخبويين" يمكنهم اثارة السخط بين نظرائهم المحليين؛ لذا تفوق المخاطر التي يمثلوها (نقل المهارات والقيادة والعلاقات التي يحضروها معهم) أذى أي فوائد محتملة ناتجة عن السخط الداخلي". 
 
ايدولوجية الارهاب
يشرح "ديفيد ماليت" زاوية أخرى للأمر: "حوّل مقاتلون اجانب فرديون ولاءهم في سوريا، أحيانا لعدة مرات؛ لذا يبدو أن بعضهم سينضم الى الجماعة التي يرى أنها الأقوى تأثيرا، بدلا من الالتزام بالمتغيرات الايدولوجية. ورأينا أحيانا مجاميع المقاتلين الاجانب تصل الى مناطق جديدة وتتنافس مع المتمردين المحليين على القوى البشرية والموارد؛ لذا سيكون الاقتتال المميت بين الجماعات المسلحة غالبا بسبب هذا النوع من التزاحم أكثر منه للتشظي الايدولوجي في الجماعة".  يلخص "ميندلسون" تحولات الجماعات المسلحة قائلا: "إن التشظي والاتحاد أجزاء طبيعية من حياة أفراد الجماعات المسلحة غير المنتمية لدولة، وإذ يجعل تشظي تلك التنظميات من منع الهجمات الارهابية أمرا أكثر صعوبة؛ يكون المكسب أنها ستكون ضمن مواقع ضعيفة تحول بينها وبين دفع أهدافها السياسية "بصورة ايجابية".. لكنها (مع ضعفها) تبقى قاتلة ومدمرة، وقد توازي صعوبات احباط الهجمات ما تعانيه الدول في مواجهة "الذئاب المنفردة"، وهم مسلحون يجسدون "العنف اللامركزي". كما تقدم تلك الظروف (التشظي وتغيير الولاء والتنقل المستمر للأفراد بين التنظيمات) فرصا فريدة للدول لاختراق تلك التنظيمات؛ وتزيد من قدرة وكالات الاستخبارات بتضخيم الخلافات بين المقاتلين وتأليبهم ضد بعضهم، ليخسروا قدرة مهاجمة أهدافهم المرسومة. 
لا بد أن نفهم أن حل مشكلة الارهاب المنظم لا يكمن فقط بتدمير تنظيماته (رغم أنه أمر جيد)؛ وإنما بالعمل على إحداث ذلك التدمير.. نهاية التنظيمات ستكون بنشر الرفض المكثف لأهدافها وأيدولوجياتها. قد تتصاعد الجماعات قوة الارهابية أو تتهاوى؛ لكن احتمالات العنف ستزداد ببساطة لإدراك البعض أنه أمر سهل التحقيق. (قارنوا بين عمليات الدهس بالسيارة وبساطتها مع تفخيخ السيارات!).. قد تتفاوت التنظيمات بدرجة عنفها؛ لكنها تبقى تهديدا قائما لأن منظورها للعالم يحمل التهديد".  
يسأل "نونان" قائلا: "ما هي الخطوط المتوقعة لتحركات المقاتلين الاجانب مستقبلا؟ هل ستخلق الحرب في سوريا حروبا اخرى وقودها مقاتلون عائدون؛ كما كان الحال بعودة من قاتلوا في الجزائر والبلقان والقوقاز بعد الغزو السوفييتي لافغانستان؟ وهل سيشحذ هؤلاء المزيد من الارهاب الدولي؟ وما هي مناطق النزاعات القادمة المحتملة؟ 
يرد "كلارك" قائلا: "أعتقد أن النمط سيستمر كما هو الآن، أي أن دور المقاتلين الاجانب سيبقى ملحوظا في الصراعات المستقبلية؛ رغم أني لا أعتقد أنهم سيتنقلون جماعيا كما حدث في حرب سوريا الأهلية؛ لأن العديد من الحكومات وضعت عقبات بوجه مثل تلك التحركات. ستجذب مواقع نزاعات اخرى مقاتلين أجانب؛ قدماء من صراعات سابقة ومجندين جدد (ممن فاتتهم التجنيدات السابقة أو كانوا أصغر سنا من أن يلتحقوا بها). ويعتقد أن مناطق مثل غرب أفريقيا وليبيا والفلبين وأفغانستان على قمة التوقعات".
تتفق "كيم كراغين" معه قائلة: "قام المقاتلون الذين ذهبوا الى العراق وسوريا وانضموا لداعش بمهمات متعددة؛ فقد عادوا لأوطانهم ونفذوا هجمات ارهابية، لكنهم جندوا أفرادا جدد، وجمعوا التمويل وخططوا لهجمات جديدة. والعديد من هذه المهمات تمت بأنظمة الاتصال الحديثة؛ لذا اعتقد أن الاجيال القادمة من المقاتلين الاجانب في مواقع النزاعات سيستمرون بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي محليا ودوليا لتنفيذ أهدافهم. سيحاول المقاتلون الحاليون البقاء في سوريا، بينما غادر بعضهم بالفعل. دخل بعضهم السجن أو جرى ترحيلهم؛ لكن آخرون اختفوا ببساطة.. اتوقع أن يعود أغلبهم للعنف. أكبر عدد من المقاتلين الاجانب (الذين ذهبوا لسوريا أو عادوا منها) هم تونسيون؛ لكن دراسة السياقات قللت المخاوف من مقاتلي شمال افريقيا (الجزائر، والمغرب، وتونس)؛ لأن دولهم شخصت المخاطر وحرّكت مواردها من الاستخبارات والجيش وتطبيق القانون للتعامل معهم حسب الضرورة. هناك خطر أكبر من مقاتلي ليبيا ومصر والسودان؛ إذ تمتلك القاعدة وداعش جذورا في دولهم، لذا يبدو منطقيا عودة المقاتلين هناك لإعادة التجمع. كما اجتذبت صراعات اليمن ومالي والفلبين وأفغانستان بعض المقاتلين الاجانب (وإن بدرجة أقل). لا يعني هذا أن لا نقلق بشأنهم؛ لكن سوريا أو ليبيا ما زالتا أكثر جاذبية بالنسبة لهم".  
 
تصورات مستقبلية 
يقول "ماليت": "أجريتُ مؤخرا دراسة عن المقاتلين الذين يحضرون من مناطق اخرى لينضموا الى النزاعات؛ ويبدو أن بعضهم لا يكتفي بالصعود في المرتبة من جندي الى أمير أو قائد؛ بل يعملون على نشر ممارساتهم الى جماعات اخرى. لذا نتوقع رؤية مقاتلين اجانب "تدربوا" في سوريا وفروا ليقودوا جماعات اخرى ويزودوهم بخبرات أساسية.. وهم يظهرون حيث تكون الشبكات منظمة والمجموعات المقاتلة ناشطة بالفعل". 
يقدم "مندلسون" تصورا مستقبليا قائلا: "لن تختفي مشكلة المقاتلين الاجانب ببساطة؛ فحين يمكن اعادة تأهيل بعضهم، تفشل المحاولة مع آخرين. تتعرض المجموعة الاولى غالبا لمضايقات مؤسساتية لسنوات طويلة، حينما يعودون لدول ومجتمعات لا تثق بهم. وقد يخرج بعضم من السجن وهم أكثر تمسكا بقضيتهم؛ لأن السجون تنحو لكونها مرتعا لانتاج المتطرفين. تتطلب برامج التأهيل المرشحة للنجاح موارد كبيرة من غير المرجح أن توفرها الدول. 
"لايزال العديد من المقاتلين الاجانب في معسكرات احتجاز بالشرق الأوسط، حيث سيبقون معتمدين على داعش ومرتبطين به. قد يجد بعضهم أنفسهم أحرارا في خضم الصراع بسوريا، دون خيار حقيقي آخر سوى العودة للقتال. وستكون المشكلة أكبر بالنسبة للجيل الجديد من أطفال داعش؛ الذين نشأوا على فكر داعش ودعايته. 
سيذهب المقاتلون الاجانب حيث يستطيعون، إذ تقدم لهم ظروف عدم الاستقرار بالشرق الاوسط قضايا جذابة وفرصا للتحرك. وسيتجه غيرهم مدفوعين بالانتقام للعودة الى بلدانهم وتنفيذ عمليات هناك؛ وسواء كانوا يعملون في خلايا ذاتية التنظيم أو منخرطين في مجموعة، سيخلقون مشاكل للسلطات الامنية لسنوات قادمة. كما أن عدم قدرة الدول على معرفة مواقع رعاياها وأي منهم عاد لوطنه ستضاعف المشكلة. وفي الاتحاد الاوروبي تشكل الحدود المفتوحة وتعدد جهات السيطرة عليها نقاط ضعف اضافية".