{حيلٌ خفيَّة} تلجأ إليها شركات التسويق لجذب العملاء

علوم وتكنلوجيا 2020/01/15
...

لندن/ بي بي سي
 
كانت أوفير هاربز تبحث عن رحلة رخيصة للطيران إلى العاصمة البريطانية لندن، وبحثت على موقع "وان ترافل" للرحلات حيث يوجد العديد من الخيارات. وأثناء البحث أظهر لها الموقع معلومة بدت مفيدة، وهي أن "38 شخصا ينظرون إلى تلك الرحلة الآن"، وهو الأمر الذي يوحي بأنَّ مقاعد تلك الرحلة قد تصبح على وشك النفاد، أو أن سعر المقعد قد يرتفع مع قلة المتوافر.
تشفير المواقع
لكن لم تكن هذه المعلومة صادقة، فقد نظرت هاربز إلى هذا الرقم: "38 شخصا" وبدأت تتشكك في الأمر. هل 38 شخصا حقا يطالعون هذه الرحلة الرخيصة إلى لندن في اللحظة نفسها التي تنظر فيها إليها؟
ونظرا لأنها باحثة في أمن الإنترنت، فقد كانت على دراية بطريقة تشفير المواقع، لذا قررت البحث أكثر في ما وراء صفحات موقع "وان ترافل" (وهو ما يستطيع أي شخص فعله بالنسبة لمواقع الإنترنت بالضغط على خاصية "إنسبيكت" أو "فحص" على متصفحات الإنترنت مثل "فيرفوكس" أو "كروم").
اكتشفت هاربز أن الرقم غير حقيقي، فقد صُممت صفحة "وان ترافل" التي كانت تتصفحها لعرض أرقام ما بين 28 و45 بشكل عشوائي، بدعوى أن عددا ما بين الرقمين يطالع الرحلة في لحظة ما. تقول هاربز، التي انتشرت تغريداتها على تويتر حول الأمر بشكل واسع: إن "هذا الادعاء عارٍ تماماً من الصحة - إلا إذا كان 38 شخصاً يطالعون الموقع في تلك اللحظة بمحض الصدفة".
 
التجريب الضيق
ولدى السؤال عن الموضوع قالت شركة "فيربورتال" التي تملك موقع "وان ترافل": "الشفرة المشار إليها جاءت في إطار اختبار برمجيات، ولم يكن أبدا المقصود منها أن تظهر خارج حدود التجريب الضيق. يتمتع وان ترافل بإقبال ضخم على الإنترنت ونحن نجري تجارب واختبارات عدة كل يوم لتحسين تجربة المستخدم ورضا العميل". وأضافت أن "وان ترافل" بصدد اتخاذ خطوات للحيلولة دون تكرار الأمر.
كما وُجدت شفرات مشابهة في مواقع أخرى، فمؤخرا فحص آرونش ماتهور، متخرج حديثا من جامعة برينستون، شركة "بيور في بي إن" التي تبيع برمجيات الشبكات الافتراضية للباحثين عن تصفح آمن للإنترنت، ووجد أن عروض شراء المنتج على موقع الشركة جاءت مرفقة بتنويه بأن آخر مرة اشترى شخص منتجا للشركة كان قبل دقائق أو ثوان معدودة. وحين فحص ماتهور الأمر أكثر وجد أن شفرة التنويه اعتمدت على اختيار رقم عشوائي لادعاء عدد الدقائق أو الثواني المفترضة.
وحللت بي بي سي الشفرة وتأكدت مما توصل ماتهور إليه. وبالاتصال بشركة "بيور في بي إن" قال متحدثها الرسمي إن الشركة خصصت فريقا لرفع الشفرة محل السؤال فورا - وأضاف أن ظهور أرقام بشكل عشوائي كالتي أزالتها "بيور في بي إن" يعد "ممارسة شائعة" في المجال.
وأضاف: "عدلت بيور في بي إن عن تلك الممارسة لعدم رغبتها الارتباط من قريب أو بعيد بما يناقض سمعتنا ومصداقيتنا، والأهم نظرة العملاء والمستخدمين لنا ولما نقدمه".
 
الأنماط الخفية
وتستخدم الشركات على الإنترنت ما اصطلح على تسميته بـ "الأنماط الخفية" حين تلجأ لتصميم معين أو عبارات تنويه لتوجيه المشتري للنقر على شيء ما أو اتخاذ قرار بعينه. وقد اصطلح على هذه التسمية قبل نحو عشر سنوات، ويعود الفضل في ذلك لاستشاري التصميم هاري بريغنل، الذي يقول إن موقع وان ترافل قد "ارتكب خطأ" ربما لم يقصده بتضمين شفرة كاذبة وربما كان يختبر شفرة ما، والأمل أن يدقق أكثر في المستقبل.
أما آرفيند نارايانان، أستاذ الحاسب الآلي بجامعة برينستون، فقد عمل مع ماتهور لكشف أنماط خفية في العديد من مواقع الشراء على الإنترنت. وفي بحث نشر في وقت سابق هذا العام وجدا أنه من بين عينة من 11 ألف موقع شراء احتوت نسبة 11 في المئة منها على أنماط خفية، ومن بين تلك الأنماط كان هناك 234 نمطا مضللا.
يقول نارايانان: "ربما كان الضرر الأكبر من تلك الأنماط الخفية هو فقدان الثقة في بيئة الإنترنت وتردي نشاطها".
وتقول رينيه ريتشاردسون غوسلين، من كلية إم آي تي سلون للإدارة، إن فقدان الثقة يضر بالمستهلك وبالشركات التي تسعى لتسويق منتجاتها.
لكن غوسلين تقول إنه ينبغي ألا تستغل تلك التنويهات أبدا أن لدى الشركة من المعلومات ما يخفى على المستخدم العادي.
وتقول: "ربما يفيد هذا في البداية، لكن حين يرتاب المستخدم فإن الضرر لن يلحق بالمنافسة فحسب بل بسمعة الشركة وإقبال المستهلكين أيضا، وهو ليس بالأمر الحكيم".
 
استشراء التضليل
ويتفق بريغنل مع هذا الرأي، ويقول إن وضع مدونات سلوك لمصممي المواقع لن يجدي نفعا، لأنهم قد يتعرضون للضغط من جانب مديريهم لتغيير الحقيقة، وبالتالي سيستشري التضليل ما لم يشدد المجتمع قبضته. ويضيف: "نحتاج للوائح ونظم للتقيد بها بما يواكب سرعة الإنترنت".
وربما كان الطريق مفتوحا لتحرك كهذا، ففي السنوات الأخيرة لاحظت مجموعات حماية المستهلك تزايد ظهور الأنماط الخفية المضللة، ومن تلك المجموعات المجلس النرويجي للمستهلك، الذي نشر تقريرا بهذا الشأن العام الماضي وأوصى فيه بضرورة تحلي الشركات بأعلى درجات الشفافية الممكنة في التعامل مع العملاء على الإنترنت - ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، عدم إشراكهم تلقائيا في نشرات أو خدمات خلال مليء بيانات واستمارات بشكل يضر بخصوصيتهم.
وفي بريطانيا، كشفت شركة "ويتش؟" وجود مزاعم غير صحيحة على مواقع للسفر والطيران. ويقول روري بولاند، محرر شؤون السفر والرحلات بالشركة: "رغم جهود هيئة المنافسة والأسواق لتطهير هذا القطاع، فما زال بين مواقع حجز الفنادق من لا يلتزم بالقواعد".
وتؤكد هاربز ضرورة دراية الجمهور بأساليب البيع والتسويق على الإنترنت، وتعرب عن سعادتها بانتشار تغريداتها حول العالم وإعادة مشاركتها مرارا من قبل مستخدمين يتحدثون لغات عدة.