حسين الذكر
كنت انتظر كبقية العراقيين المتّجهة انظارهم صوب مدينة كربلاء المقدسة إذ تقام صلاة الجمعة وتعلن خطبة أو ما يسمى بيان المرجعية العليا حُول الأوضاع العامة المحيطة بالعراق والمنطقةُ التي مهما كانت قاسية متفجرة فإن تغيّر ترتيب أوضاع النص لا يتغير في الخطبة ، فالأولى منهما تخصص للارشاد والتوجيه والتذكير بمسائل عبادية روحية بحتة تتجاوز المادياتُ تذكّر أنّ للسماء سبلاً متعددة المشارب والوسائلُ طيّعة متيسرة بعيدة عمّا يخططون ويجندون ..
فثمة فارق كبير بين منْ يريد وجه الله ومنْ يركب موجة تياره زورا ونِفاقا لأغراض دنيئة لا تستحق كل هذا اللهاث .. بعد ذلك يأتي الشق الثاني الذي هو ليس اقل أهمية من الأول بل مكمل له في تدبير شؤون الناس والمصالح العامة التي ظلت على الدوام مصدر إلهام الأنبياء واحتكامهم للسماء فضلا عن أدعية الأئمة والاولياء بحفظ المصالح العامة مهما كانت عناوين وأسماء الخاصة ..كعادتي القديمة زرت مدينة الكاظمية صباح الجمعة في رحلة ليست عبادية صرفة ولا أدّعي الملائكية بقدر ما هي تنفيس روحي ومحطة معنوية الهامية اختطها القدر واخترتها لنفسي منذ سنوات طويلة .. وقد شاهدت في مرقد الإمام صديقا سلّم معانقا فرحا ... إذ انّ المسلمين يكونون أكثر توحَداً ووئاماً تحت مظلة خيمة الإسلام.. صاحبي هذا رحمه الله – هنا لُبّ الاستذكار – ، بعد ان شاهد سُحنة الحزن وسيماء التشاؤم المخيم والخوف على الناسِ والأهل والنفس مما كان يجري في العراق من هول الطائفية قبل عشر سنوات – لا أعادها الله - .. فهمس لي ونحن نجلس بحضرة مقدسة : ( إنّ الإمام علي بن ابي طِالب (ع) يقول : (عليكم بتقوى الله وتدبير شؤون دنياكم).. يا للهول فان الامام قبل ألف وأربعمئة سنة بل قبل الحضارة الحديثة .. وقبل أن تتفتق الصحراء بنفطها وعمرانها .. كان يوصي بضرورة أن يسير خط الدين والدنيا معا إذ يكمل بعضهما بعضاً ولا يمكن أن ينفصلا عند المؤمنين ..
وما عند الله خير وأبقى ...كنت استمع خطاب المرجعية العليا يوم الجمعة الماضي وهي توصي بالنصح والإرشاد وضرورِة استماعهما في توحد الكلمة ورص الصفوف لدرء خطر محدق سمّته المرجعية ( بالايام الصعبة بعد حادثة اغتيال القادة على طريق مطارِ بغداد التي ستبقى الأشهر وربما الأخطر) .. تمعنت في معنى التوحد الآن وأهميته مع انه من أبجديات وروتينية التوصيات ،إذ لا توجد خطبة إلّا وبها المتلازمان (وجه الله وتوحد كلمة عباده)، لا سيّما والبلد يمرّ بمنزلق خطير مع اننا لم نذق طعم الاستقرار يوما ... والاحداث تترى والاجندات والأيام تمر وعراقنا كل يوم يعيش بوضع امر .. مما يعطي ضرورة حتمية التوحد بمعنى درء الخطر العام عن العراق أهمية قصوى مقدمة على غيرها في رسالة يجب ان تفهم من أصحاب الشأن .. فلا يأمنن احد او جهة او حزب او قومية او مذهب ممّا سيحدث – لا سمح الله - لو ظلت المواقف متباعدة متقاطعة في ظل تأثيرات خارجية ومصالح فئوية ضيقة، فلا ينفع عند ذاك جدار أو جبل أو نهر او هور في حماية منْ لا يسعى لحماية العراق الذي قالت المرجعية إنّه الأول في الرؤية والهدفية وحتمية التنفيذ، فهل يعي المتكالبون ويفهمون فحوى كلام الله في ما ينبغي أنْ يتسابق عليه المتسابقون؟.