حمزة مصطفى
تكاد تكون قصة الفيدرالية أو الأقاليم واحدة من أكثر قصصنا السياسية إلفاتاً للنظر بعد عام 2003. العراق الذي كان يتألف من ثلاث ولايات في العهد العثماني "بغداد، الموصل، البصرة" أصبح دولة مركزية منذ تأسيس دولته الحديثه عام 1921. قبل العام 1921 لا أحد يعرف طبيعة العلاقة بين الإمبراطورية العثمانية والولايات التابعة لها هل هي نظام دولة اسمها العراق أم مجرد ولايات ممتدة على جغرافيا اسمها العراق تنتظر قيام نظام حكم وهو ما فعله الإنكليز عندما أسسوا المملكة العراقية بعد ثورة العشرين التي قامت ضد الإنكليز أنفسهم. لا نريد التفصيل في هذه القضية التي صال المؤرخون فيها وجالوا ممن تناولوا تاريخ العراق الحديث بقدر ما نريد الوصول الى مسألة مهمة وهي شكل الدولة ونظام الحكم في العراق الذي بدأ مركزيا واستمر كذلك بمختلف عهوده الملكية والجمهورية حتى العام 2003، إذ هيمنت الرؤية الأميركية على طبيعة نظام الحكم بخلاف ما حصل عام 1921 حيث الرؤية البريطانية. المفكر حسن العلوي يطلق على عراق ما قبل 2003 العراق البريطاني وعلى عراق ما بعد 2003 العراق الأميركي. الفارق بين العراقين أنَّ الإنكليز مع كل ما كتبه الكتاب والمفكرون والمؤرخون بشأن تعاطيهم مع الدولة ونظام الحكم والعشائر والعسكر وقوى المجتمع السياسية منها والمدنية فإنهم بنوا دولة مركزية بصرف النظر عن البعد الاجتماعي لها وفيها.الأميركان أمرهم بدا مختلفا تماماً عن رؤية الإنكليز مع أنهما حليفان سواء بـ "التحرير" طبقا لما أطلق عليه بدءا من يوم 9 نيسان 2003 حتى أيار من العام نفسه أو "الاحتلال" بدءاً من شهر أيار حتى اليوم حيث الجدل لا يزال مستمرا بين مفهوم إسقاط النظام السابق وبين كون ما حصل احتلالا يتطلب مقاومته.نعود الى قضية الفيدرالية أو الأقاليم التي لا تكاد تخرج عن هذا الجدل الملتبس بسبب عدم الاتفاق على شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم طبقاً لمفهوم المواطنة الشاملة أم المواطنة التجزيئية إنْ صح التعبير التي تمنح الهويات الفرعية "الدين، العرق، المذهب، العشيرة" العلوية على مفهوم المواطنة الذي يتطلب الإيمان بوطن واحد اسمه العراق. هنا اختلف القوم وما زالوا، فالدستور العراقي ، في مادته الأولى ، يقول : "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي..". وفي المادة 116 منه ،في باب الأقاليم ، يقول "يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية". هنا قطع الدستور قول كل خطيب في ما يتعلق بتحديد شكل الدولة في المادة الأولى "دولة اتحادية) ونظام الحكم في المادة 116 يتكون من "عاصمة وأقاليم" يعني فيدرالية.الآن يحتدم الجدل بشأن الفيدرالية لكن ليس بوصفها حقاً دستورياً في وقته طبقاً لأنموذج البصرة أو صلاح الدين خلال السنوات الماضية، بل بوصفها "مؤامرة" تهدف الى تقسيم العراق. الأطراف التي اتُّهمت بأنها هي من تقود ما يراه بعضهم مؤامرة نفت ذلك وأعلنت تمسكها بوحدة العراق. لكن قبل التهمة أو نفي التهمة السؤال الذين يجب أنْ يجيب عنه الجميع هو.. أليس الدستور هو المتآمر أولاً؟ إنْ كانت الإجابة نعم فلماذا تتمسكون بدستور متآمر؟ وإنْ كانت لا فإنَّ كل ما يجري الخوف أو التخويف منه لا أصل له ولا فصل.