قلق الوجود في تفاصيله

ثقافة 2020/01/17
...

صباح محسن كاظم
 
مُنتهى الحلم بالبهجة بتراتيل ومزامير وبوح الشاعر "عبد الحسين فرج" بديوانه (تفاصيل قلقة)  الصادر عن  دار الجواهري –بغداد  بـ 186صفحة ؛ حلم  بالأمل لكنه يتلظى  بجرحه العميق وينز الألم بتفاصيله وقلقه الوجودي من خلال رؤيته العميقة لمعنى الشعر وهو يمشط  ضفائر  القصائد  بتؤده ..والتأني  ..بتنميق ساطع الجمال  ..وعناية فائقة من خلال بُنية متكاملة (صور شعرية – تكثيف رفيع- إنزياحات بمقاصد الدلالات) وأجد النمو الطبيعي بلا تكلف واستغراق وإيهام   وشذوذ، بل المفارقة الشعرية لدى "فرج" تنم عن قدرة وتكنيك عال بتوظيف بلاغة  اللغة بلا نتوءات مشوهة، يسعى اليها البعض بالإغراق والاستغراق للمفردة بغير محلها، فالمحمول الدلالي برع فيه بإشاراته الرمزية لمقاصد النص من الإهداء ص7 : إلى أصدقائي  علي قاسم مهدي حميد المختار علي السوداني حبا ووفاء. جسدَ  المبدع "عبد الحسن فرج" رؤيته الشعرية في تفاصيله القلقة بين الإنزياحات الدلالية بلا غموض وركز بنثرية مختزلة تفي بالغرض الشعري من دلالات مُشبعة بحنكة النظم بمفارقاته وجسد النص كأنما يكتب اقصوصة بها شخوص وافعال وصراع، فالمفارقة لديه فن عبر فيه عن ثنائية الصراع بين الجمال والقبح.. والفضيلة والرذيلة.. والضوء والعتمة مُعبرا عن الذات والواقع وأزمات الوجود المحاصر والمحاط بالقلق اليومي المترسب باللاوعي ..
منح ديوانه التفوق المركز بالنثر كحلم الأب والأم بالعثور على طفلهما المفقود وكم تتوجس الاسرة خيفة على مصيره تتماهى المفردات برموز من وجع يقض مضاجع وأد الحلم بالمستقبل . في ص 11 إذعان :لأنك لم تذعن/ لحلم الواقع/ صار ... الواقع 
حلما ...؟
الطاقة التعبيرية بنصوصه  تزخر بتعدد المعاني بالتأويل بمعاني السمو المؤطر بأسئلة الوجود واختناق وأود لحلم ورودنا بالنمو بلا اشواك تعيق مسيرته..تتماهى مع واقع مليء بالسجون..الكبت ..الضياع ..الحصار للأمنيات ذاكرة إشرأبت من محن مكثت بوجودنا نأمل لتطلعات بغد أبهى وأجمل تتحقق به الأحلام  وظيفة الشعر بث الجمال حتى بالرماد كما يقول  أبو حيان التوحيدي  بالامتاع والمؤانسة ص 85:( وأحسن الكلام مارق لفظه، ولطف معناه، وتلألأ رونقه، وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه 
نظم ).
شحوب/ فيما/ اترك ضجري/ يرتق ليله/ اندس/ خلسة في الشحوب
وفي نص وقوف ص15  الانتظار، الصبر، الأمل، والأفق المفتوح على  المساحات والأزمنة ودروب العمر بين التيه والطموح للوصول لمكامن وجوهر فيض الجمال، لكن عتمة الليل تنكس بالشحوب، ومشارب ومسارب الرهبة من الضجر الذي يئد الحلم بواقع أبهى ..وإن كانت انزياحاته تحمل مضامين تأويلية وتعبيرية مُخصبة بخيال تحرره من مباشرة الخطاب والرسالة والجوهر بالتأمل بإشراقات روح "فرج "التأملية . كما بنصه غرق 
ص23
حين/ ترمي نفسك/ في النهر/ لاتكترث/ لكمية المياه/ التي ستغرقك
لهوات الحياة وظروف وجودنا القلق عبر عنه شعوريا بفعل الكتابة الشعرية المكثفة  بلافتات اعتمد فيها على :الحذف والتلوين والتمكين عن الإفصاح عن عمق أزمة الوجود بكارثياته ، وغرقنا ببحر متلاطم الأمواج بسبب عدم العدالة والقهر والإستلاب، كما بنصوصه الأخرى (هامش- حالة خاصة – تفاصيل قلقة التي عنون الديوان بهذا النص – عبوة ناسفة - رصاص – تناص-خيبة –جندي-حياة  وغيرها من النص التي أجاد فيها ببراعة. حالة خاصة  
 ص50
الأوغاد/ قطعوا/ جسدي/ وردة/ وردة
وفي تفاصيل قلقة يثير الأسئلة المُفزعة ويجي عنها بالمقطع الثاني من نصه المُشع بوعي الذات ..يؤكد الناقد الدكتور هادي نهر في البحر وأعليه ص 11:( إن َ الشعر الحقيقي،هو الذي يجعل اللغة ممكنة، إذ أن أحد السبل المؤدية لفهمنا ماهية اللغة، هو فهمنا لماهية الشعر، وهذا الفن الذي يمثل بالنسبة للشاعر رئة  يتنفس من خلالها، وهو للمتلقي فنَ يشبع الرُوح،ويسمو بها ،ويسر النفس).
تفاصيل قلقة/ الموت كالحياة/ الحياة كالموت/ التفاصيل وحدها/ توغل في الأثر/ بينما الذاكرة/ تحفر نفقا/ للهروب
 وفي نصه المترع  بالوحشة وانسداد الأفق وصخب الوجود والصرخات المحبوسة بالصدور وإيقاع الوجود البطيء يبقى ثمة حلم .بنصه آفاق ص 172
عبر/ فضاءات تتشكل/ تصبح سادرا/ لطرقات/ ضيقة/ عليك.