أي مدينة لها مركز دائم أو مؤقت يصلح كمكانٍ للتجارة للإقليم المحيط بها. وله معنى ثانٍ يشير إلى نقطة أو مكان تتقاطع عنده طرق المواصلات، ويساعدها ذلك على أنْ تضطلع بوظيفة السوق والتبادل مستفيدة من كونها عقدة لتقاطع طرق المواصلات ومن كثرة تردد المتسوقين.
السوق مركز المدينة
السوق هو المكان الذي تتم فيه عمليتا البيع والشراء وتداول السلع والبضائع وحرصاً من المهندس والمعماري القديم على حماية المتسوقين والباعة والمارة من الظروف المناخيَّة الصحراويَّة القاسية ومن التلوث فقد اهتدى الى نوعين من الأسواق هما الأسواق المغطاة التي يجمع بينها طابع واحد، تتميز بالشوارع الضيقة والمسقوفة، وذلك لحماية المارة من وهج الشمس المحرقة في الصيف ومن الأمطار والبرد في الشتاء، وهذه الأسواق تحتل أماكن مركزيَّة من
المدينة.
والأسواق المكشوفة وهي مخصصة للصناعات والأنشطة الحضريَّة الأخرى الملوثة للبيئة الحضريَّة كالصناعات التي تنبعث منها الأبخرة والروائح الكريهة والدخان كالمدابغ أو الصناعات التي تُحدثُ ضجيجاً عالياً، ما يؤدي الى حدوث التلوث الضوضائي، لهذا جاء إنشاؤها بعيداً عن المراكز الإداريَّة والدينيَّة والسكنيَّة.
مستقبل السوق القديم
السوق الآن لم تعد في قلب المدينة ولا يلمس محتوياتها المتبضعون، وستنتهي في المستقبل تلك الجولة التي يقوم بها الكثير منا تحت شعار (الما يشتري يتفرج) للتنزه بين المحلال خصوصاً في فترة ما بعد الظهر، فنرى السوق مكتظّة بالناس.
فسوق المستقبل لن تكون معبراً ونقطة لقاء لطرق المواصلات وعقد الصفقات ولن تكون هناك (عكود) أو محال تعج بأصوات مكائن النجارين أو مطارق الإسكافيين والحرفيين الآخرين.
ووفقاً لتقارير جاءت بها كل من الصحيفتين الاقتصاديتين الأشهر في بلجيكا (إيكو وصحيفة دي تيد)، اختفى نحو 12 ألف متجر خلال 10 سنوات الماضية في بلجيكا، وأصبح واحدٌ من كل خمس محال تجارية فارغاً في
مدينته.
وتقول النقابة المحايدة للعمال المستقلين حتى شهر آب الماضي: "أغلق ما يقارب 500 متجر أبوابه منذ بداية هذا العام نتيجة تفاوت الأسعار بالتجزئة واتجاه المستهلك للمنتج مباشرة".
نهاية البيع بالتجزئة
يهتم تجار البيع بالتجزئة بتوفير السلع للمستهلكين في الأسواق بالكميات والأماكن والأوضاع المناسبة لتلبية رغبات المستهلكين، وبإعلان أقل تكلفة كما يعملوان على تطوير نظمٍ أكثر فاعليَّة لجذب اهتمام المستهلك.
والطريقة التي يعمل بها هؤلاء هي إيصال السلعة من المنتج الى المستهلك، إذ من النادر أنْ يتقابل المنتج مع المستهلك، لكن الانترنت الآن جعل المستهلك يدخل في معرض المنتج ويختار ما يريد لينهي مجموعة من الوظائف التي يقوم بها الوسطاء التجاريون الذين يقومون بوظائف مختلفة وتحت مسميات مختلفة كوسطاء تجاريين أو تجار جملة أو تجزئة، إذ سينتهي هؤلاء كما انتهى اليوم دور مكاتب الطيران في أوروبا.. الخ.
فتاجر التجزئة سينتهي دوره في عمليَّة الاتصال بالمستهلك، إذ إنَّ هذا الاتصال هو اتصال مباشر، ونتيجة لذلك كان لتاجر التجزئة دور حيوي في التأثير على قرار الشراء للمستهلك؛ نتيجة لما يقدمه من توصيات ونصائح تجعله يرغب في شراء السلعة. هذا الدور الآن يقوم به الإعلان في مواقع الانترنت لينهي بذلك العلاقة بين تاجر التجزئة والمستهلك وهي العلاقة التي قامت نتيجة تكرار تردد الزبون على المتجر والتعامل معه. تقوم الشركات الآن بتوصيل الطلبات حتى السلع ذات الاستخدام اليومي، والتي يتكرر شراؤها باستمرار، لأن هذه الخدمات لا تكلف تذكرة الحافلة أو مقدار الوقود لسيارة المستهلك أو جهده أو وقته، ما يرسخ تشكيل اتجاه جديد للمستهلك بعدم ولوج السوق القديمة إلا
للتفرج.
السوق الافتراضية
(الصباح) رصدت في أوروبا إغلاق العديد من المحال التي تعمل في مجال بيع الذهب والمجوهرات، بنسبة تفوق 60 بالمئة، إذ إنَّ أغلب أصحابها من اليهود البلجيك ليتبين أنهم غيروا استثماراتهم من الذهب الى الشركات العاملة في اقتصاد المعرفة ومواقع
الانترنت.
فضلاً عن أنَّ عدداً من الشركات تتجه نحو الانتقال إلى مقر جديد أقل كلفة من القديم بسبب عدم حاجتها للتواجد وسط السوق، حيث عرض مقره وسط المدينة للبيع أو للإيجار.
كما أنَّ ارتفاع الطلب بالشراء عبر الانترنت بشكل كبير دفع الكثير من الشركات إلى تقليص أحجامها بإغلاق كثير من مكاتبها المنتشرة في مناطق متفرقة، لإجراء حركة تصحيحيَّة عبر الاستثمار والإعلان عبر
الانترنت. وفي ظل تراكم عدد كبير من المحال والمكاتب الشاغرة، وجد عددٌ من المستأجرين الذين يعتزمون إغلاق محالهم بسبب الخسائر، أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر، فإما ترك المكان، وإما الاستمرار وتحمل الخسائر
المتزايدة.
إنَّ هذا الهبوط الحاد عائد إلى تغير سلوك المستهلكين، ما دفع كثيراً من المستثمرين إلى إنهاء نشاطهم وتسليم محالهم ومكاتبهم، مخلفين وراءهم عدداً كبيراً من المواقع التجاريَّة التي كانت يوماً ما تعج بالمتبضعين.
يتم تفسير هذه الظاهرة من خلال قوة عمالقة التجارة الإلكترونية وأيضا بالتغيرات في سلوك المستهلك، وكذلك القرب والبعد من السوق لم يعد السبب الرئيس للانتشار والتوزيع.