ابراهيم سبتي
في نظرة واقعية متفحصة نجد أن إيران نفذت تهديدها بضرب المصالح الأميركية بـ 22 صاروخا متوسطا نوع فاتح شملت القاعدتين عين الأسد في محافظة الأنبار وقاعدة أخرى في أربيل. إن تاريخ الصراع الأمريكي الإيراني يعود الى العام 1979، بعد انتصار الثورة الإسلامية على نظام الشاه إذ وقفت الولايات المتحدة موقفا سلبيا منها ولم تؤيدها، بل فرضت عليها حصارا شديدا يشبه الحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب العراق في التسعينيات ، بل أكثر لأنه شمل مناحي الحياة كافة من دون استثناء . إن اميركا التي تحتفظ بأساطيل وجيوش وأسلحة فتاكة، ظلت تبحث عن نقطة تتصارع معها كلما خمدت نقطة فتحت أخرى. إنّ أميركا، بجبروتها وتنصيب نفسها شرطيّ العالم، لا تتوانى عن فتح جبهات جديدة وشن حروبها على الدول من دون النظر الى الخلف حيث العالم ومنظمته الدولية ، أي إنها تتصرف من طرف واحد وهذا ما جلب لها الخيبات والخسائر كما حدث لها في التاريخ المعاصر في فيتنام والصومال والعراق وغيرها، فقد خرجت بعد أن لُقنت دروسا لا تنسى في قوة إرادة الشعوب التي لا ترضى بالهوان والتبعية واستغلال الموارد . وفي امر آخر نجد أن اميركا تسعى دائما الى فرض الحصارات على شعوب الدول الرافضة لهيمنتها كما حدث لعدد من دول العالم مثل كوبا والعراق وإيران وكوريا الشمالية وغيرها. إن السياسة العسكرية للولايات المتحدة باتت لا تجدي نفعا في العصر الحديث مع بروز أقطاب قوية أخرى، مثل الصين وروسيا، قادرة على انتزاع قوة الهيمنة الأميركية وإحباط مخططاتها وبالتالي تغيير لعبة المحاور والاتفاقيات الدولية الاقتصادية التي باتت تتحكم بكل المفاصل في مستقبل الدول والشعوب. وفي اقتراب مباشر للازمة في المنطقة ، تحاول أميركا فرض حالة الامر الواقع وإبعاد ومنع الدول من الحصول على التقنية النووية التي باتت تشكل أحد مرتكزات التطور الصناعي والاقتصادي في استخداماتها السلمية وهو الأمر الذي ترفضه أميركا جملة وتفصيلا لان النادي النووي لا تدخله أيّة دولة إلّا عبر البوابة الاميركية وقبولها لها من دون قيد أو شرط وفق المصالح المتبادلة، لذا كانت أميركا تتسابق لمنع إيران من تطوير القدرة النووية السلمية التي أكدها الكثير من المسؤولين الإيرانيين. إن اميركا تجازف مجازفة كبيرة وقاصمة وهي تحاول أن تبتز الدول على امل الحصول على مكان لها في منطقة تعد من اخطر مناطق العالم من ناحية الإمدادات النفطية او وجود الممرات المائية التي تعبر من خلالها تلك الإمدادات. إن الصراع الإيراني الاميركي يعد الأخطر على المنطقة الغنية بالنفط ، التي ظلت قلقة على مدى العقود الماضية باعتبارها الشريان الحيوي لإمداد العالم بالطاقة. إن أي صراع يتطور ويتصاعد الى مستوى الحرب قد يقود الى خسائر لا تقدر مداها وجسامتها وفداحتها وبالتالي ستكون أميركا أمام رفض شعبي ربما لم تشهده المنطقة من قبل، فالسياسة الدولية المعاصرة تؤمن بالحوار وفض النزاعات بالطرق السلمية وعدم التدحل بالشؤون الداخلية لدول المنطقة أو أية دول أخرى ، والحوار هو المفهوم المعاصر لسيادة الدول وهيبتها لأنه كفيل بجعلها تعيش بسلام وبعيدة عن مفاهيم القوة والتهديد وعسكرة الأراضي والبحار لغرض التخويف، وهذا يستدعي التزام الأطراف بإحياء الحوار من موقف القوة والكرامة كي تنعم دول المنطقة بأمان وأن تعيش على أرضها بعيدة عن الحروب والخسائر غير المحسوبة مما يتطلب من الولايات المتحدة النظر بجدية للمصالح المشتركة وعدم الهيمنة والتلويح باستخدام القوة وأن تبتعد عن المنطقة الساخنة. ولأن السياسة المعاصرة هي سياسة النظر للمصالح دون النظر لكبر تلك الدولة أو صغرها، فان الشعوب صارت تدرك عناصر وجودها أكثر من أي وقت مضى .