القادة الأميركيون في قاعدة عين الأسد يصفون الهجوم

بانوراما 2020/01/18
...

ترجمة: انيس الصفار
 

عبر القادة الأميركيون في قاعدة عين الاسد العسكرية في العراق، وهي القاعدة التي استهدفت بهجوم صاروخي إيراني مؤخراً، عن اعتقادهم بأن الهجوم كان ينطوي على نيّة قتل عناصر من الأميركيين، وهو فعل لو وقع لقرّب القوتين المتواجهتين من حافة الحرب المفتوحة. خلف الرجم الصاروخي في الاسبوع الماضي على قاعدة عين الأسد المترامية الأطراف في غرب العراق حفراً عميقة وحطاماً وهياكل مشوهة كانت مآوي للجنود ومواقع انطلاق للطائرات المروحية. يقول المسؤولون العسكريون ان جنديين على الأقل قد قذفت بهما قوّة الانفجارات من شباك برجهما الذي كانا فيه على ارتفاع عدة امتار كما يعالج عشرات آخرون من آثار ارتجاجات اصيبوا بها جراء الضربات الصاروخية.

يقول الفريق “تيم غارلاند” قائد قوة مهام الجزيرة وأحد أرفع المسؤولين في القاعدة رتبة ذلك اليوم: “هذه الهجمات كانت معدّة ومنسقة لإيقاع أكبر عدد ممكن من الاصابات.”
يمضي اللواء غارلاند مبيناً أن الضربات قد اتسمت بخطورة خاصة لأنها جاءت على شكل موجات تفصل بين كل منها والتي تليها فترة تصل الى 15 دقيقة تقريباً. خلال هذه الفواصل كانت قوات الاستجابة العاجلة تتحرك سريعاً وبشكل متكرر لتقييم الأضرار التي لحقت بالمواقع والبحث عن أي مصابين بين أفرادنا.
يقول القادة ان الهجوم بمجمله قد استغرق اكثر من ساعة ونصف الساعة وكانت الانفجارات تضيء المنطقة كلها لمسافة كيلومترات. وفي لقاءات اجريت معهم وصف أكثر من عشرة جنود احساسهم بأن الهواء بدا وكأنه قد سخن مع امتلاء سماء الليل بالضوء قبل أن تصل اليهم موجات الضغط تمزق الهواء.
يقول المقدم “ستاسي كولمن” المشرف على العمليات في منطقة المطار واصفاً عدم وقوع اصابات خطيرة بأنه كان “معجزة” على حد تعبيره.
خلال الساعات التي أعقبت الهجوم وصفت إيران ما وقع بأنه “انتقام قاس” وادعت أنه أسفر عن مقتل العشرات. بيد أن المسؤولين الأميركيين والعراقيين لم يلبثوا أن اعلنوا في اليوم التالي عن عدم سقوط قتلى.
أشارت التقارير الصادرة عن ادارة ترامب الى أن عدم سقوط قتلى كان عاملاً حاسماً في صد الرئيس الاميركي عن اتخاذ قرار بزيادة التصعيد. فبعد ساعات من وقوع الهجوم قال ترامب في تغريدة على موقع تويتر: “الأمور بخير”، ولكن شهادات الشهود في كل مكان من قاعدة عين الاسد، وكذلك الاضرار التي نزلت بعدة مواقع فيها، تشهد على أن الحظ كان عاملاً، ولو جزئياً، في عدم وقوع اصابات خطيرة.
منذ الاسبوع الماضي، وفي ظل تصاعد التوترات عقب اغتيال الولايات المتحدة اللواء قاسم سليماني في بغداد، وضعت قاعدة عين الاسد على الفور في حالة الإنذار الاقصى تحسباً لهجمات صاروخية على غرار ما حدث تستهدف قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والقوات العراقية في كل مكان من البلد. تؤوي القاعدة المذكورة نحو 2000 جندي منهم 1500 جندي تابع للتحالف المذكور.
يقول المسؤولون العسكريون انهم تسلموا برقية لاحقة في الساعة 11,00 من ليل الثلاثاء، تنبئهم بالاستعداد لهجوم غير مسبوق على القوات البرية الأميركية مصدره دولة إيران المجاورة، وأن ذلك الهجوم يتضمن استخدام الصواريخ البالستية. يقول غارلاند ومسؤولون عسكريون آخرون في القاعدة انهم رأوا في تلك التوجيهات اسوأ سيناريو، وذلك عندما تضع منشأة في حالة إغلاق ومن بعد ذلك تجبرها على نشر الجنود وتوزيعهم بتخطيط مستعجل بين ملاجئ مكتظة وابراج مراقبة ومخابئ عميقة تحت الأرض أقامها جيش الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
مرت على البرقية أكثر من ساعتين وبدأ المسؤولون العسكريون يتساءلون إن كان ذلك إنذاراً كاذباً. 
في وقت لاحق أفاد مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بأنه أشعر قيادة العمليات المشتركة في العراق، التي تشترك مع قيادة قوات التحالف بغرفة عمليات واحدة، قبل انطلاق الهجوم الفعلي بنحو 30 دقيقة.
بعد ذلك، قبل الساعة 1,30 من صباح يوم الاربعاء بدقائق قليلة، جاء انذار جديد. فقد أشار الرادار الى أن ثمة ضربة وشيكة بالصواريخ البالستية، بعد ذلك اطلقت مكبرات الصوت صافرة الانذار وتهيأت القاعدة لتلقي الصدمة.
يقول الملازم أول “شارلز دنكان”، 25 عاماً، وهو يقف وسط الركام المتفحم وبقايا الحديد الملتوية لأحد مهاجع الجنود: “قبل الموجة الأولى مباشرة كان الجو هادئاً، بعد ذلك انطلقت عبر جهاز اللاسلكي عبارة .. إنها آتية .. إنها آتية .. في تلك الثواني القليلة لم يكن بيدنا سوى الانتظار.”
يقول المسؤولون ان بعض الجنود كانوا قد أبقوا خارج المخابئ طوال الليل تحسباً لاحتمالات وقوع هجوم بري أيضاً، هؤلاء أمروا بالتمركز عند محيط القاعدة للتحقق من الاصابات إن وقعت في حالة استمرار الهجوم.
يقول الرقيب “جويل فالديفيا”، 30 عاماً، أنه رأى الصواريخ الأربعة الأولى وهي مقبلة عليهم من موقعه في برج المراقبة فسارع الى ارسال انذار الى فريق الرد السريع. بعد ارساله الانذار بدقائق امتلأت السماء بالضوء وارتج البناء ارتجاجاً شديداً.
في الاسفل كان هناك عدة عشرات من الجنود داخل سيارات مصفحة أو راجلين. يقول الرقيب “أرماندو مارتينيز”، 35 عاماً، ومهمته تقدير حجم الاصابات، أنه سمع انذار فالديفيا عبر جهاز اللاسلكي فانبطح على الفور خلف جدار واحتمى. عندما بدا وكأن الرشقة قد انتهت خرج من مكمنه، وهنا جاء الانذار الثاني وانقضت الموجة الثانية وهو مكشوف في العراء هذه المرة. لم ير حوله مكاناً يلوذ به فجثا على ركبته بينما كان احد الجنود الشبان غير بعيد منه يحاول اعادة تأمين الاتصال.
يقول الجنود ان ضغط الانفجارات أدى الى دفع اطارات الابواب لتغوص عميقاً في الارض داخل بعض الملاجئ، بينما استحالت بعض الأبنية الجاهزة الى جثث من المعدن الملتوي لا يمكن تمييز معالمها.
قبل شروق الشمس بوقت قصير انطلقت صافرة رفع الانذار وأخذ الجنود يخرجون من مخابئهم منهكين يتنفسون الصعداء مفعمة دماؤهم بالادرينالين. كان صباحاً صافياً ولكن السماء توهجت بلون برتقالي قال عنه العديد من الجنود انه كان منظراً “أخاذاً”.
في خطاب وجهه الى الأمة في وقت لاحق من ذلك اليوم قال الرئيس ترامب ان الهجوم لم يسفر عن مقتل أي من الجنود الأميركيين أو العراقيين، وأن إيران كما يبدو قد اكتفت بعد اطلاقها 16 صاروخاً بالستياً على قواعد ترابط فيها قوات أميركية سقط 11 منها في قاعدة عين الأسد.
في يوم الاثنين الماضي كان الجنود لا يزالون يلبسون الدروع الواقية على اجسامهم وهم يتجولون في فضاءات القاعدة. وفي المطعم كانت الكراسي موضوعة بالمقلوب فوق المناضد حيث أمر الجنود أن يأخذوا طعامهم باليد وينصرفوا خارجين.
ضحكت مجندة شابة وقالت لرفيقها وهما يتمشيان باتجاه باب الخروج ممازحة: “لم تعد الأمور طبيعية هنا.. اليس كذلك؟” 
لويزا لوفلاك 
عن صحيفة واشنطن بوست