النفط مقابل الإعمار

اقتصادية 2020/01/19
...


محمد شريف أبو ميسم
 
قيل الكثير بشأن اتفاقية النفط مقابل الإعمار، التي عقدتها الحكومة في أيلول 2019 مع الحكومة الصينية، حتى اختلط الأمر على الناس، بين رأي متحمس للاتفاق بوصفه حلاً جاهزاً للخروج من مأزق الإرباك في القطاعات الخدمية، الذي خلفته لنا سنوات المرحلة الانتقالية الست عشرة، وآخر رافض بدعاوى مختلفة لا تخلو من دوافع سياسيَّة تارة ومن قراءة موضوعيَّة تارة أخرى للتفاصيل غير المحسوبة التي قد تترتب على آليات الاتفاق.
ومن دون الخوض في دوافع هذا الرأي أو ذاك، وما يقال بشأن الاعتراض الأميركي على هذه الاتفاقية، وعلاقته بما تشهده بلادنا، فإنَّ ما تضمنته هذه الاتفاقية التي سيتولى البنك المركزي العراقي إدارتها لصالح وزارة الماليَّة، عبر فتح أربعة حسابات مالية، لا يمكن أنْ يوضع إلا في إطار مالي يستدعي اعتماد الرقابة المالية المتواصلة، وهذا ما تضمنته الاتفاقية بشأن وجود محاسبين دوليين أو ما يسمى بشركة الحسابات الخارجيَّة  FBAF)) للإشراف على حركة الحسابات وتقييم تدفق الأموال عبر تقارير دوريَّة شفافة.
ويحسب للأطراف الحكوميَّة التي أسهمت في وضع الاتفاقيَّة أنها عرضت الآليات المعتمدة على الرأي العام، لضمان الشفافيَّة والإفصاح في إطار الإدارة الرشيدة لهذا الاتفاق الحسابي، الذي يتضمن حساباً يتولى تسلم صافي عائدات النفط (والذي حدد بنحو 100 ألف برميل يومياً في السنة الأولى قابلة للزيادة الى نحو 300 ألف برميل يومياً في السنوات اللاحقة)، ويسمى حساب التسويات، ثم حساباً يخصص لخدمة الديون عند الاقتراض من المصارف الصينيَّة بضمان مؤسسة (ساينوشور) التابعة للحكومة الصينيَّة، ويسمى (حساب خدمة الدين)، والذي يشترط فيه وضع مبالغ احتياطيَّة تعادل في الحد الأدنى مرة ونصف من قيمة فوائد الدين المترتبة على المشاريع لفترة ستة أشهر، والحساب الثالث هو حساب إعادة الدفع الذي يشترط فيه وضع 15 بالمئة من القروض ضمن السقف الائتماني البالغ 10 مليارات دولار، فيما توضع في الحساب الرابع المسمى حساب الاستثمار أي أموال عراقية فائضة لم تستعمل في حينها في الحساب الثالث.
وعلى هذا الأساس فإنَّ ثمة أهمية تستدعي تشكيل فرق مؤهلة من الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها ديوان الرقابة المالية والبنك المركزي ووزارة المالية ووزارة النفط، لمراقبة حركة الأموال في هذه الحسابات بجانب التقارير التي تقدمها شركة الحسابات الخارجية على المواقع الالكترونية للجهات ذات العلاقة، في إطار الإدارة الرشيدة القائمة على معياري المسؤولية والمساءلة وبما يحقق للرأي العام العراقي والمعنيين بالشأن الاقتصادي والمالي رؤية واضحة ما بين المصروف والمتحقق من الإنجازات، وعدم تجاوز السقوف الإئتمانية في حدود كمية النفط المصدر، وضمان سداد الديون في التوقيتات والسقوف الزمنيَّة المقررة.