أفريقيا تكمم وسائل الإعلام

بانوراما 2020/01/19
...

رودولف أوغوو اوكونكو ترجمة: بهاء سلمان
 

يعد أول مظهر لطغيان يبرز على السطح هو كبت حرية الصحافة والتعبير عن الرأي. أدركت لجنة حماية الصحفيين (منظمة غير حكومية غير هادفة للربح مقرها في مدينة نيويورك تهدف إلى حماية حرية الصحافة والدفاع عن حقوق الصحفيين– المترجم) عندما أصدرت بيانها بتاريخ مؤخر حول الاعتداءات الممارسة ضد صحفيي نيجيريا، الذين كانوا يغطون احتجاجا داخل العاصمة ابوجا، كما طالبت اللجنة أيضا باطلاق سراح الصحفي المحتجز اومويلي سوور.

وعلى مدى السنوات العشر الماضية، عندما كنا أنا وسوور لا نعمل سوية ضمن وكالة أنباء “مراسلو الصحراء الأفريقية”، أو أية وكالة أخرى، كنا نتحدث عن تاريخ أفريقيا لمرحلة ما بعد الاستعمار، وهو موضوع طرحه لصف كان يدرسه ضمن كلية الفنون البصرية في مدينة نيويورك. وخلال صيف 2018، وجدت نفسي ألقي المحاضرات عوضا عن سوور بسبب قراره خوض الانتخابات لمنصب رئيس نيجيريا؛ فبعد 11 سنة من انشائه لوكالة (مراسلي الصحراء الأفريقية) وتوظيف منبر الصحافة الوطنية لفضح حالات الفساد والظلم داخل نيجيريا، لم يكن مقتنعا بالتحوّل الذي أحدثته عدته الاعلامية، وكان مستعدا لصنع تأثير ما بوسائل أخرى.
لم تلاقِ حملة سوور الانتخابية النجاح الذي توقعه، فقد حل عاشرا من أصل 78 مرشحا، بيد أن اصراره على البقاء مساهما في محاولات التغيير قادته الى مشروعه التالي، والذي كان تنظيم تظاهرة احتجاج، أطلق عليها “الثورة الآن”.
 
اتهامات بالجملة
مطلع آب الماضي، وبحلول الليل، أغارت مديرية الشرطة السرية النيجيرية على غرفة سوور في احد فنادق لاغوس واعتقلته، حيث اتهمته حكومة الرئيس محمد بوهاري بالسعي لتوظيف احتجاجه لقلب نظام الحكم. بقي الصحفي الناشط محتجزا لدى الشرطة السرية، ويواجه سبع تهم تتراوح بين الخيانة والمطاردة الالكترونية وغسيل الأموال الى توجيه الاهانات ضد شخص الرئيس بوهاري. وقررت محكمتان مختلفتا السلطات الافراج عن سوور مقابل كفالة، لكن الحكومة تجاهلت أوامر المحكمتين ورفضت اطلاق سراحه.
وبينما يحظى سوور ورفيقه اولاوال باكاري، الذي اعتقلته أيضا الشرطة السرية، باهتمام وسائل الاعلام، يقبع كل من دادياتا أبوبكر ادريس وستيفن كيفاس وأغبا جالينغو وجونز ابيري وراء القضبان في نيجيريا لأدائهم عملهم، لكن بدون تركيز اعلامي.
الحال لا يختلف في كل من أوغندا وزيمبابوي وغانا والكاميرون وليبيريا ورواندا؛ ففي الواقع، هناك موجة جديدة من الاعتداءات عبر القارة الأفريقية ضد الاعلام والناشطين ورجال النقابات، وجميع من يطالب بحكم طيّب وديمقراطية حقيقية.
في أوغندا، الموسيقي المتحوّل للشؤون السياسية، روبيرت كياغولانيي سينتامو، والمعروف شعبيا ببوبي واين، يتواصل استهدافه هو ومؤيديه من قبل حكومة الرئيس يوري موسيفيني. أما غانا، فقد اتهمت حكومة الرئيس نانا اكوفو ادو مؤخرا إحدى المجاميع الناشطة والمطالبة باصلاحات باثارة عصيان مسلّح ضد الدولة. ومع قضاء ضعيف وتابع للسلطة، ومجلس نواب لا يعدو كونه مكانا لتمرير أوامر السلطة التنفيذية، لا يملك الناس في العديد من الدول الأفريقية مؤسسة حقيقية يلجأون اليها. فيما مضى، كان الحكام الأفارقة يتعاملون بوسطية خشية اغضابهم للولايات المتحدة وبريطانيا وبقية الغرب، التي كانت تمدهم بالمساعدات، وتشدد قبضتهم على التحكم ببلدانهم.
 
اعتداءات سافرة
ايضا، خلال شهر آب الماضي، خطف رجال مسلحون مجهولو الهوية الناشطة السياسية الزيمبابوية سامانثا كوريا من منزلها، وجردوها من ملابسها وضربوها وأرغموها على شرب مياه المجاري. كان الاعتداء على هذه الناشطة جزءا من اجراءات صارمة يتسع نطاقها ضد المنتقدين للرئيس ايمرسون منانغاغوا وحزب السلطة الحاكم. وخلال تشرين الأول الماضي، اقتحم رجال شرطة مسلحون مقر احدى محطات الاذاعة في منروفيا، عاصمة ليبيريا، وأغلقوها بينما غالبية بثها هو على الهواء. وأزالت الشرطة معدات البث وبضعة وثائق في محاولة لاخراس الأصوات المنتقدة للرئيس الليبيري جورج ويا.
لكن مع انتخاب ترامب، وانشغال بريطانيا الهائل بشؤون البريكست، صار الحكام الأفارقة مثل الصقور غير القلقة من احتمال محاولة أحدهم ايقافها من خطف الكتاكيت الصغار من أحضان أمهاتهن. 
وأيا كانت المكاسب التي حققتها أفريقيا خلال العقد الماضي، يحصل حاليا معاكسة للاتجاه، فبلد تلو آخر، يقدم الجميع تقريبا على خنق وسائل التواصل الاجتماعي بفرض الضرائب وغرامات جزائية قاسية في حال استخدام هذه المنصات الاعلامية بطريقة تعتبرها الحكومات سلبية. وبحلول الوقت الذي استعاد في الغرب هدوءه، ستكون أفريقيا قد خطت خطوتين الى الخلف.
وبحلول الوقت الذي ينتفض فيه الجيل الصاعد داخل أفريقيا، ستتحوّل انتفاضة أفريقيا المبشرة بالخير الكثير مجددا الى مرحلة أخرى من الامكانات المحتملة غير المكتملة.
بينما يقبع سوور ومعه صحفيون آخرون وناشطون ونقابيون أفارقة داخل السجن، يتودد القادة الأفارقة الى الهند والصين وروسيا وفرنسا بحثا عن المعونات والقروض والحلول لمشكلات التنمية الأفريقية. يمثل هذا الحال قصة القارة السمراء لمرحلة ما بعد الاستعمار، وعندما سألقي محاضرات لصف سوور، لن أتكلم فقط عن القادة الأفارقة الراحلين، أمثال باتريس لومومبا وستيف بيكو وكوام نكروما، لكنني سوف أتكلم أيضا حول مصير سوور لكونه يمثل صورة مصغرة معاصرة للقصة القديمة نفسها لأفريقيا ما بعد مرحلة الاستعمار.