ألمانيا تعاني بسبب حقبتها الاستعمارية

بانوراما 2020/01/20
...

ترجمة: خالد قاسم
لويزا بيك
يتحدث الرجل المسؤول عن التفاوض بخصوص الاعتذار على أول ابادة جماعية في القرن العشرين وهو الدبلوماسي الألماني روبرشت بولنز، بشأن الحاجة لانشاء "فهم مشترك لما حدث في الماضي."
القضية على المحك هي ما حصل بين عامي 1904 و1908 عندما قتلت القوات الاستعمارية الألمانية نحو 80 ألف شخص في جنوب غرب افريقيا، التي تعرف حاليا بناميبيا. ويستخدم الألمان مصطلح التصالح مع الماضي لوصف وظيفة بولنز، وهي مهمة متضمنة في الحمض النووي للبلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن حتى مع الثناء الذي تناله ألمانيا كأمة واجهت وتحملت مسؤولية الفترات المظلمة لتاريخها، فلا تزال تصارع لتسوية حسابها مع دورها الاستعماري. وتؤدي سابقة تكفير برلين عن الهولوكوست الى زيادة صعوبة المصالحة الاستعمارية، مما يرفع سقف التوقعات ويؤسس مقارنات غير مريحة. يرى ناشطو قبيلتي ناما وهيريرو من ناميبيا أن المفاوضات المتأخرة التي بدأت بعد أكثر من 100 سنة على وقوع الابادة ومستمرة منذ ما يزيد على أربع سنوات تقف على النقيض تماما من الاهتمام والأموال التي خصصتها ألمانيا لذكرى الهولوكوست.
يشير الناشطون الى مستشار ألمانيا ويلي برانت عندما جثا على ركبتيه معتذرا وسط حي اليهود في وارشو، ودفع أكثر من 80 مليار دولار تعويضات للناجين من الهولوكوست واسرائيل، ويتحدثون عن أكثر من 36 نصبا تذكاريا ومتحفا في برلين وحدها مكرسة لاستذكار فظائع الحرب العالمية الثانية، والمكانة المركزية لتلك الحقبة في كتب التاريخ والمدارس الألمانية.
يقول أحفاد ضحايا القبيلتين أنهم بحاجة لاعتذار رسمي وتعويضات خاصة بهم واعتراف في تاريخ ألمانيا. مع أن فقرات الاعتذار الرسمي تبقى قيد التفاوض، لكن مسؤولي حكومة برلين عرضوا اعترافا رمزيا بالمسؤولية منذ العام 2004.
 
تعامل عرقي
لكن مع أن ألمانيا ترغب بتقديم مساعدات تنموية وهي بين أكبر المانحين لناميبيا لكنها رفضت فكرة التعويضات. ورغم اعترافها بأن جرائم القتل في ناميبيا تعد "ابادة جماعية" لكنها ترى أن النتائج القانونية الموجودة ضمن معاهدة الأمم المتحدة عام 1948 لا تنطبق على أعمال القتل الجماعي تلك.
عقد لقاء خلال العام 2016 بين بولنز وممثلين ناميبيين في العاصمة ويندهوك، لكنه انهار بسبب مسألة المقارنة مع الهولوكوست. غير ان الناشط بول توماس يرى رسالة مختلفة: "بالنسبة له الأمر يتعلق بأن حياة السود أقل أهمية." ويتبنى هذا الانطباع آخرون أيضا بناء على كيفية تعامل ألمانيا مع الفترة الاستعمارية بمدارسها.
كانت ألمانيا تعيش ذروة امبراطوريتها الافريقية كثالث أكبر قوة استعمارية في القارة بعد بريطانيا وفرنسا. ومع ذلك فالمناهج المدرسية تتحدث باختصار فقط عن تاريخ برلين الاستعماري، كما تقول ماورين مايشا أوما أستاذة دراسات التنوع في جامعة العلوم التطبيقية بمدينة ماغدبورغ الألمانية. ونادرا ما تذكر الكتب المنهجية ابادة ناما وهيريرو، هذا إن ذكرتها أصلا.
التفسير الشائع لهذا الايجاز هو أن حكم ألمانيا على أراضيها الافريقية كان قصيرا نسبيا، ففي 1884 التقت القوى الاستعمارية الأوروبية الكبرى ببرلين لتقسيم القارة الافريقية، وبحلول 1919 مع توقيع معاهدة فرساي ونهاية الحرب العالمية الأولى كان على ألمانيا تسلم مستعمراتها للحلفاء.
لكن تلك الفترة القصيرة لا تبرئ ألمانيا، كما تقول المؤرخة باوليت ريد أندرسون. وبعد ثورة السكان الأصليين ضد الاستيلاء على أرضهم ومواشيهم من قبل المستعمرين، أصدر مسؤول عسكري ألماني بجنوب غرب افريقيا أمرا بالابادة، ومن ثم أطلقت القوات الألمانية النار واغتصبت وعذبت سكان القبيلتين، ومن نجح بالهروب من الاعدام أقتيد الى الصحراء حيث مات بسبب الجوع والجفاف، وأرسل آخرون الى معسكرات الاعتقال وعملوا حتى الموت.
يعتقد مؤرخون أن 80 بالمئة من سكان هيريرو ونصف سكان ناما قتلوا، وتوفي مئات آلاف آخرين بثورة "ماجي ماجي" في شرق افريقيا الألمانية، تنزانيا حاليا. ونقلت جماجم بعض الضحايا الى ألمانيا لباحثين درسوا "النقاء العنصري" وحاولوا اثبات التسلسلات الهرمية العرقية، وهو العلم الزائف نفسه الذي استخدمه الرايخ الثالث لتبرير القتل الجماعي خلال الحرب العالمية الثانية.
أعادت ألمانيا كجزء من محاولتها تعويض الضحايا 71 جمجمة الى ناميبيا خلال العقد الماضي، ومع ذلك هناك مئات أخرى من جنوب غرب افريقيا وشرقها لا تزال مخزونة في متاحف ومستشفيات برلين.
 
رفض التعويض
يقول نقاد أن اشارات ألمانية أخرى فشلت بتحقيق مبتغاها، فقد سعت مشاريع ثقافية كثيرة في ألمانيا لجذب الانتباه الى وحشية البلاد الاستعمارية وأقام المتحف التاريخي الوطني الألماني معرضا عام 2016 نال الاعجاب بسبب صراحته، وسوف تنال مواد استعمارية مكانا مركزيا في منتدى هومبولدت وهو متحف جديد من المؤمل افتتاحه في برلين خلال الخريف. لكن مسألة كيفية تعامل المتحف مع سياق حصوله على تلك المواد قد أحدثت جدلا وقلقا.
تبقى القضية الأكثر اثارة للجدل هي التعويض النقدي. وقاضى أحفاد ضحايا القبيلتين الحكومة الألمانية على هذه المسألة، ويأملون مساعدة المحاكم الأميركية بحل القضية. ورفعوا عام 2017 شكوى وفق القانون الأميركي الذي يسمح لمواطني دول أخرى بتقديم مطالبات متعلقة بانتهاكات القانون الدولي. وحكم قاض من نيويورك في آذار 2019 بأن مبدأ الحصانة السيادية جعل القضية مرفوضة. أما حكومة ألمانيا فترفض كلمة "تعويضات" في المفاوضات لأنها لا تريد خلق سابقة قانونية.
من جهة ثانية، سعت كل من بولندا واليونان للحصول على تعويضات من برلين عن أضرار لحقت بهما خلال الحرب العالمية الثانية، لكن ما عدا قضية اسرائيل فألمانيا رفضت مرارا وتكرارا هكذا مطالبات من قبل أشخاص لم يكونوا ضحايا بحد ذاتهم.
يرى كثير من سكان القبيلتين استمرار آثار الاستعمار، فبعد خسارة ألمانيا الحرب العالمية الأولى ورثت حكومة الأقلية البيضاء بجنوب أفريقيا الأراضي الاستعمارية وحافظت على سياسات منحت امتيازات للمستوطنين البيض، وأعطتهم أراض صودرت من الافارقة ومنهم ناما وهيريرو.
منذ استقلال ناميبيا عام 1990، يقول نقاد أن حكومتها فعلت القليل للاهتمام بالتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، ويذكر البنك الدولي أن البلاد تعاني من أحد أعلى مستويات اللامساواة الاقتصادية عالميا. وبينما لايزال أحفاد المستوطنين الألمان يمتلكون أراض صودرت خلال الحقبة الاستعمارية فهناك مجموعات أجبرت على ترك أراضيها ولم تسترد ثروتها حتى الآن.
 
صحيفة واشنطن بوست الاميركية