قنَّاص استرالي

آراء 2020/01/21
...

نوزاد حسن
 
  للاستراليين قناص محترف له وظيفة محددة، وأجره كبير جدا، هذه هي المعلومة التي زوّدني بها أخي الذي يعيش في استراليا. حدثني عن الازمة الجديدة التي تواجهها استراليا. واثناء استماعي لاخي كنت اتابع فضائية مشغولة بالشأن العراقي تزوّدنا على مدار الساعة بعواجل متتابعة لا تتوقف. أهم تلك العواجل هو انتهاء مهلة وطن، وقطع للجسور، وحرق للاطارات، وتعطيل الدوام.
  سألني أخي عن الاوضاع، وتفاصيل التظاهرات والاعتصامات، قلت له هناك تصعيد اذ ينوي المتظاهرون ان يقوموا بخطوات تجعل الحكومة تتخذ قرارات باتجاه تلبية مطالب المتظاهرين. قال لي مشكلتكم معقدة. أجبته معقدة جدا. وهنا قال لي يبدو اننا محظوظون اكثر منكم. اجبته اعرف ماذا تعني. قال طبعا ان محنة استراليا الان هي كيفية القضاء على قطعان كبيرة من جمال برية تخرب المساحات المزروعة، وتشرب كثيرا من المياه. قاطعته وهل هذه مشكلة قياسا بوضعنا السياسي، والاختلافات السياسية الكبيرة بين ما يريده المتظاهرون وما تسعى اليه الحكومة كاختيار رئيس وزراء يرفضه الشارع. قال لي: الحكومة الاسترالية استأجرت شركة متخصصة لمطاردة وقتل الجمال التي تنتشر في صحارى تلك القارة الواسعة. وتستخدم هذه الشركة حوامات وقناصين يجيدون قنص الجمل دون ان يخطئوه. وبلا شك تثير لديّ كلمة قنّاص انزعاجا كبيرا لكن قنّاصي شركة قتل الجمال هي وظيفة أخرى تبدو قاسية وغير مقبولة إلّا أنّ ضغط عنجهيّة تلك القطعان البرية دفع الحكومة هناك- يشرح اخي- الى استخدام الحل الامثل وهو اقتناص تلك الحيوانات التي يبلغ عددها المليون ونصف مليون جمل.
 اريد من كل ما قلت الوصول الى نقطة محددة وهي ان مشاكل السياسة هي اكثر المشاكل تعقيدا وخسارة على الصعيدين المالي والانساني.
  قلت لاخي: كم سيكلف قتل حيوانات تائهة في صحراء ممتدة. قال: ملايين الدولارات. قلت: وهذا هيّن ازاء اختلافاتنا الكثيرة حول مفهوم الوطن والمواطنة وقضايا الفساد والمحاصصة وتعقيدات اخرى لا حل لها.
  حسدت جميع الاستراليين لأنهم محظوظون ولا يعيشون في جو يسوده التخوين والعمالة.
  حسدت استراليا لأنّها قد تواجه حريقا يملأ سماءها بدخان اسود ويقتل بعض الضحايا او قد تتخذ خطوة تزعج منظمات حقوق الحيوان حين تستخدم قناصين محترفين حفاظا على بيئة دمرتها حيوانات لها مكانة في مأثورنا الشعري والثقافي.
  مشاكل من هذا النوع تجعل المواطن يفكر جديا بحل ويناقش مع زملائه امكانية البحث عن حلول حقيقية. وهنا يشعر المواطنون أنّهم غير بعيدين عن حكومتهم. هذا ما يحدث في استراليا.
 لكن هل يكون الحال نفسه حين تكون المشكلة سياسية.؟ بالطبع لا.
   إن دعوت الى المظاهرات فستكون مسؤولا عن كل خطأ يقع. وان وقفت ضد هذه المظاهرات فستكون شخصا يهمل وطنه ولا يهتم به.
  اختلفنا على تعريف الوطن. وشككنا في كل شيء بحيث صرنا اكثر شكاً من الفرنسيين ومن ديكارت نفسه الذي قال أنا أشك إذن أنا موجود.
  إنّنا نشك في كل شيء، ونقوم بصناعة الشك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ونتناقل الاخبار والصور والتسجيلات الصوتية بلا مناقشة. لقد صرنا شكاكين ونتمتع جيدا بهذه الحياة التي لا طعم لها والتي نظن أنّها عميقة وصالحة وهي ليست كذلك.