كثُر الحديث عن الاتفاق الذي أبرمه العراق مع الصين قبل عامين، وتقاطع المتحدثون في مواقفهم وآرائهم بشأن هذا الاتفاق، ففريق خائف متطيّر حدَّ الذعر، بصرف النظر عمّا اذا كان هذا الخوف حقيقيا نابعا من الحرص على مصلحة البلد، او انه خوف مدفوع الثمن، وبين، من يتحدث عن مخرجات الاتفاق مرحبا مهللا، راسما صورة ورديّة لما سيحدثه الاتفاق في الواقع العراقي، ولكن اذا ما أردنا ان نجري مقايسة بين وزن وحجم الفريقين "المختلفين"، نجد ان صوت الطرف المهاجم الخائف، أشد تأثيرا، وبين الطرفين، ثمة طرف ثالث، ذهب الى التقليل من اهمية وشأن الاتفاق، واصفا اياه بالزوبعة الاعلامية التي لاقيمة لها ولا اثر ..،
واللافت للنظر، ان هذا الانقسام الحاد بشأن هذا الاتفاق، لم يقتصر على الطبقة السياسية مثلا، انما ضرب الواقع العراقي بجميع مفاصله.
ولذلك في ظل هذا المشهد بزواياه الحادة، قد نحتاج الى الكثير من التوضيح، سواء بما يتعلق بتفاصيل ومخرجات الاتفاق، او بما يتعلق بآليات وتقنيات التنفيذ، وما قد يترتب على الاتفاق من آثار إيجابية كانت أم سلبية ..
وهنا نريد أن نتحدث عن الاتفاق من حيث تقنيات وآليات التنفيذ، على وجه التحديد، فهناك من يقول إنّ الصين التي يحكمها الحزب الشيوعي، ستقوم باحتكار عملية التنمية، ومن ثمّ ربما تفرض إرادتها السياسية فيما بعد في العراق، ومن ثمّ فإنّهم سيفرضون شروطا قاسية علينا، وفي واقع الحال، انه لايوجد شيء اسمه الاحتكار، فالاتفاق مع الصين، ليس هو الاتفاق الاول او الاخير وليس الوحيد الذي يبرمه العراق مع بلد اجنبي، فهناك العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع دول وشركات عالمية معروفة، فضلا عن ذلك، فإنّ الاتفاق، يتيح للعراق التعاقد مع شركات عالمية غير صينية، لتنفيذ المشاريع التي يتفق عليها البلدان .. ولذلك اقول ان الاتفاق مع الصين، ربما حُمّل اكثر من طاقته، مدحا وقدحا، قبولا او ورفضا.. ولكن، هنا ثمة سؤال يُطرح بقوة، هو، لماذا الصين على وجه التحديد، هي من كانت وجهة العراق لابرام مثل هذا الاتفاق، دون غيرها من البلدان؟!!، هنا وفي معرض الاجابة عن هذا التساؤل المنطقي، ثمة قضية، ينبغي الالتفات اليها، ونحن نخوض في أبعاد واهمية الاتفاق مع الصين، ونتساءل ايضا، لماذا لم نذهب باتجاه شركات عالمية رصينة من جنسيات مختلفة، ومن المؤكد ان سياسة من هذا النوع، من شأنها ان تحقق لنا هدفين مهمين، الاول ، هو اننا سنحقق توازنا ستراتيجيا اقتصاديا وسياسيا مع العالم، وفق شبكة علاقات اقتصادية متكافئة، وبذلك نضمن وقوف تلك البلدان معنا وفق مبدأ (اطعم الفم تستحي العين) والعالم كله، يعمل اليوم وفق هذا المبدأ ،"المصالح المشتركة"، اما الهدف الثاني، فهو اننا سنضمن تنفيذ المشاريع، وفق آليّة تنافس تستند الى رصانة وكفاءة وقدرة الشركات على التنفيذ، وفق التوقيتات والجودة المطلوبة، وهذا امر في منتهى الاهمية .. ومن هنا أعود الى النقطة الجوهرية، التي ربما كانت احد الاسباب الاساسية، التي دعت العراق الى ارتقاء سور الصين العظيم، وهي أنّ الصينيين اكثر اقداما وشجاعة من الدول الاخرى، ولديهم استعداد عالٍ للدخول والاستثمار في مناطق الاحداث الساخنة، فيما تتهيّب الدول الاخرى الدخول في مثل هذه المناطق، ومنها العراق، ولدينا من الامثلة على تردد الكثير من الشركات والدول من الدخول الى العراق، بل وتلجأ تلك البلدان الى وضع قيود مشددة على شركاتها ومواطنيها ومنعهم من الذهاب الى العراق..
اما الصينيون فلا يترددون ولا يتهيّبون، فضلا عن ذلك، فإنّهم - بوصفهم دولة عظمى - يمتلكون قدرات ممتازة في اغلب المفاصل التنموية، وهذه قضية مهمة، نحن بأمس الحاجة اليها ازاء ماتشهده التنمية من تردٍ في جميع مفاصلها.. ومن المؤكد ايضاً، ان دخول الصينيين بقوة الى العراق سيفتح باب التنافس بقوة، مع بلدان وشركات عالمية اخرى، ويشجعها على الدخول الى العراق؛ لانهم سيزيلون عقدة الخوف لدى الاخرين، وهذا امر مفيد بالنسبة لنا، هذا من جانب، ومن جانب اخر، ونحن نتحدث عن تقنيات وآليات الاتفاق، فيمكن القول، انه يمثل يمثل اطارا عاما للتعاون وفق مبدأ (النفط مقابل الاستثمار)، وهذه الآليّة ليست جديدة، انما تنتهجها بلدان اخرى، وتعد وسيلة ناجعة وذات آثار اقتصادية سريعة، وعندما جرى التوقيع على الاتفاق في بكين على مرحلتين في عهد حكومتي السيد حيدر العبادي، ثم السيد عادل عبدالمهدي، كان الاتفاق عاما، اتفق خلاله الطرفان على الاطارات والمسارات التنموية العامة، فيما تُركت التفاصيل التي تتضمن المشاريع الى حين دخول الاتفاق حيز التنفيذ والتي ستحدد حسب اولويات التنمية في العراق، لذلك كان الاتفاق ان تكون البداية من البنى التحتية، ومن ثمّ تأتي باقي القطاعات.. طيب، اذا كان الأمر كذلك وبهذا الوضوح، فلماذا الخوف إذن، هل ثمة ما هو مخفي، من بنود الاتفاق، مايدفع الخائفين إلى توجيه سهام نقدهم له بهذه القسوة؟.
في الحقيقة، لايبدو أنّ هناك ما هو خاف او تمّ اخفاؤه لأغراض مريبة، لاننا نتحدث عن اتفاق، او مذكرة تفاهم، تدخل في صلاحيات الحكومة ممثلة بوزارات ومؤسساتها الدولة المختلفة، اما في ما يتعلق بقانونية الادراج والانفاق على المشاريع التي سيتم تمويلها من الأموال المتحققة من هذا الاتفاق، فإنّ القاعدة تقول: أن لا إنفاق من دون قانون، لذلك سيتم تضمين المشاريع الممولة من (النفط مقابل الاستثمار)، في قانون الموازنة، التي سيصوّت عليها مجلس النواب، واعتقد ان هذه الالية، من شأنها تبديد المخاوف، وضمان تنفيذ المشاريع، من دون طعون او اشكالات قانونية.
خلاصة القول، إنّ وضع العصي امام العجلات من شأنه ان يربك ويؤخر تنفيذ المشاريع، نحن اليوم بأمس الحاجة الى انطلاق تنفيذ المشاريع التنموية بقوة، بعيدا عن التأثيرات والشعارات السياسية، التي لم نقبض منها سوى الركام..