عدوية الهلالي
شهد العام المنصرم العديد من الحركات الاحتجاجية في مختلف دول العالم، سواء في تشيلي وهونغ كونغ أو في الجزائر ولبنان، وكذلك في الاكوادور والعراق، وقد استمدت أغلب الاحتجاجات أسباب الغضب الشعبي من المصدر نفسه، وهو خيبة الأمل لدى الشعوب مع وجود نظام حكم لا يفهمها، فقد غزت الحشود الغاضبة التي لم يكن لها زعيم حقيقي الشوارع في عام 2019 للمطالبة بالانصاف والحرية والكرامة، حاملة شعارات رددتها كل من باريس وبيروت وسانتياغو وبغداد تعكس فيها انعدام الثقة الواضح بالنخب الحاكمة.
قبل كل شيء، يستنكر المتظاهرون من جميع البلدان الديمقراطية التي لا وجود لها والسلطة الساكتة تماما أمام مطالب المواطنين، واذا كانت هنالك نقاط مشتركة في كل هذه التظاهرات الشعبية فهي أسباب بدايتها ما بين ارتفاع في أسعار المترو والوقود والخبز والمكالمات والبطالة، وكذلك عدم انتهاء الغضب على الرغم من انسحاب نقطة الخلاف كما هو الحال في هونغ كونغ – على سبيل المثال – بعد سحب قانون تسليم المجرمين الى الصين، أو في العراق بعد استقالة السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
لم يكن اعتبار العام الماضي(عام التعبئة الجماهيرية) جديدا أو استثنائيا، ففي عام 2011 اختارت مجلة (تايم) "المتظاهر" كشخصية العام، لكن تعبئة عام 2019 لم تعد جزءا من التسلسل التاريخي نفسه، إذ كانت لتلك الثورات جذورها في حركات الربيع العربي التي اندلعت في نهاية العام 2010 في تونس، كما أن الإنترنت زاد من تحركات الجماهير أكثر مما كان عليه في عام 2011، إذ تزايد عدد مستخدمي الإنترنت في ظل تطور وسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا راقب الإيرانيون ما كان يحدث في الجزائر، وتأمل الجزائريون في ما يحدث في العراق وانسحب الأمر ذاته على بقية الدول!
وتشترك حركات التمرد هذه، كذلك، في أنها اندلعت بلا زعيم أو تنظيم او هيكلية في بدايتها، بل تحولت في فترة زمنية قصيرة الى تجمع لحشود مثيرة للإعجاب ومن دون زعيم حقيقي، ففي الجزائر لعبت الشبكات الاجتماعية دورا مهما للغاية، والحال نفسها في هونغ كونغ إذ تناقل المتظاهرون الشعارات عبر المراسلة والتطبيقات التي تم انشاؤها خصيصا. بطبيعة الحال، لايمكن أن يكون السياق الوطني الخاص بكل ثورة وما يعترضها من حالات طارئة متطابقا في كل مكان، لكن الاتجاهات الأساسية لها متماثلة، بدءا من الاستياء العنيف من النخب الحاكمة الى الايمان بعدم شرعيتهم للحكم، مع وجود مجموعتين رئيسيتين من المطالب الاجتماعية والاقتصادية من ناحية، والسياسية من ناحية أخرى.
وفي حين لم يستخدم العنف و القمع ضد المحتجين الفرنسيين، واجهت الحركات الأخرى قمعا وحشيا، وهو عنصر مشترك آخر بين الثورات ، في الوقت الذي اختلفت فيه حركة السودان عن الحركات الأخرى بوجود قادة معروفين ما جعل من الممكن التوصل الى حل وسط.
وأيّا كانت درجة الغلبة أو عدم وجود عوامل محلية في ظهور حركات الاحتجاج التي هزت العالم في العام 2019، فإن الإرادة لفرض التحولات على النظام الاقتصادي أو السياسي تظل أساسا مشتركا في كثير من الأحيان، كما تواجه النخب الحاكمة الآن غضبا شعبيا يطالبهم بأن يكونوا مسؤولين عن تصرفاتهم تجاه الشعب، وهو الغضب الذي ما زال مستمرا مع حلول
عام 2020.