هذا العمود يتناول فكرة سبق لي أنْ طرحتها سابقاً لكنني أرى أهمية إعادة تقديمها الآن عسى أنْ يتم الالتفات لها بجديَّة.
والفكرة تقول إنَّ غياب العدالة يعدُّ سبباً رئيساً في الخسائر الاقتصاديَّة، ولا يخفى على أحد إنَّ عدم العدالة له تجليات عديدة ولكنْ دعونا ننظر الى موضوع فرص التعيين كأنموذج
لذلك.
فاذا ما علمنا أنَّ عدد العاملين في القطاع العام مع منتسبي القوات الأمنيَّة يناهز الخمسة ملايين شخص وإنَّ العاملين في القطاع الخاص يناهز المليون شخص وفقاً لبيانات وزارة التخطيط.
وبما أنَّ متوسط حجم الأسرة العراقيَّة هو ستة أفراد فلو كان في كل أسرة موظف فإنَّ ذلك يعني أنَّ الرواتب والأجور ستعيل بحدود ستة وثلاثين مليون عراقي، بينما يبقى أربعة ملايين فقط يمكن أنْ يكونوا تحت خط الفقر وليس كما هو العدد الحالي والذي يزيد على تسعة ملايين تقريباً، إذ إنَّ مستوى الفقر يفوق نسبة (25 %) كما معلن.
هذا الأمر يؤكد عدم عدالة التوظيف في القطاع العام، إذ إنَّ هناك أسراً فيها أكثر من موظف في مقابل أسر أخرى لم تنل نصيبها من القطاع العام على الرغم من امتلاكها المؤهلات المطلوبة لذلك من شهادات أو مهارات، إذ إنَّ المحسوبيَّة والمنسوبيَّة لا تزال تشكل عاملاً مهماً في القبول أو الرفض
للتوظيف.
إنَّ الدعوة الى العدالة الاجتماعية تعدُّ أهم أسباب الاستقرار والنمو الاقتصادي، وهذا ما تؤكده التقارير الاقتصاديَّة الحديثة الصادرة عن البنك الدولي بخصوص دول الشرق الأوسط، وحسب التقرير فإنَّ السياسات التي تشجع على تهيئة فرص العمل لا تفيد العاطلين عن العمل فقط، بل تساعد على إحباط انتشار التطرف والعنف وما يسببه من آثارٍ اقتصاديَّة
سلبيَّة.
لقد تسبب العنف والتطرف في العراق بخسائر في البنية التحتيَّة قدرت بحدود (35) مليار دولار، أي ما يعادل ثلث موازنة العام الحالي أو ما يعادل (5 %) من موازنات العقد الماضي، وهذه أضرارٌ كبيرة ستحتاج الى ما يعادلها تقريباً لإعادة البناء في المناطق المتضررة والسؤال هنا: أما آن الأوان لإعادة قراءة العلاقة بين الاقتصاد والعدالة والسياسة قراءة جديدة للحصول على معادلة متوازنة لتحقيق الرخاء وتجاوز الأزمة؟