عقدت أمانة الشؤون الثقافية في الاتحاد العام للأدباء والكتاب محاضرة بعنوان "آلان باديو.. الصدمة الفلسفية" للباحث والشاعر نصير فليح، بحضور عدد من المثقفين والادباء.
وصف نائب الأمين العام للاتحاد الناقد علي الفوّاز "الان باديو" في افتتاحية الجلسة بأنّه واحد من أخطر الكتاب الذين عملوا على علاقة الفلسفة في الإرهاب، فضلاً عن كونه واحدا ممن تحدثوا عن الإرهاب في باريس "حادثة تفجير الصحيفة الفرنسية" وكتب ايضا عن الربيع العربي كونه يؤمن بفكرة البطولة التي تعد من الثيمات الاساسية لدى باديو.
وتناول الفوّاز العلاقة التي عمل عليها المحتفى به نصير فليح الشاعر والمترجم والباحث في مجال الفكر الفلسفي، فضلا عن الأفق الجديد الذي حاول العمل عليه، وهو ما يمكن تسميته مجازا بالجدة في الترجمة عند اقترابه من هذه الموضوعات الحساسة.
وركّز رئيس الاتحاد الباحث ناجح المعموري بحديثه عبر تقديمه للمحتفى به، إنّ الاقتراب من الفلسفة في الترجمة فيها شيء من الحذر حتى بالنسبة إلى المثقفين، بينما هي واحدة من الأمور المهمة الجوهرية للحيوية في الحياة وتعيد إنتاج رؤى المثقف.
ويشير المعموري إلى أنّ بعض أعمال "الان باديو" تلعب دوراً مع الميثولوجيا على الأخص بموضوعة العقاد، ويعني بها زواج الإله المقدّس كونه اكتشف ان "الان باديو" له افكار منها، اعتبار الحب هو أحد المجالات المركزية الاساسية، كما وله كتاب مترجم واطلعت عليه من خلال مقال ملخص عنه لسعد القصاب وهو من المقالات المهمة.
وفي آراء "الان باديو" اشارة إلى مقالة "جيجيك" أن علاقة الرجل مع المرأة هو اختلاف كأي علاقة اختلافية، لكنها تتحول إلى علاقة اتفاق وتوافق وتقضي إلى الاندماج الكلي بعد استمرار التواصل، إلا أن "جيجيك" يذهب باتجاه الرومانسية والغنائية، وأشار بشكل استعاري إلى أن ما تحلم به المرأة من الرجل هو أن يذهب بها إلى الحق، ويفسر المعموري الأخيرة بأنّها الفردوس الأول.
ويسرد الباحث نصير فليح نشأة "الان باديو" داخل البيئة الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية، إذ حملته بالتدريج إلى معارضة هذه البيئة، وكمثال "شخصية مثل افلاطون نشأ بين السفسطائين وبعدها بدأ بالهجوم عليهم".
ويشرح فليح عبر الجلسة الاتجاهات التي سادت في القرن العشرين خاصة ما بعد الحرب العالمية الثانية مثل التفكيكية والتأويلية، ويقول عنها "باديو" بأنّها السفسطة وأن الحقائق ليست نسبيّة، وإنما الحقائق هي عامة وثابتة ومطلقة، وهذا طرح قد يبدو غريبا ويتنافر مع المزاج العام المائل إلى التأويل والتفكيك وتمييع النقاط النهائية في أي تصور.
ويشير إلى أن الاتجاهات الفلسفية تعبر عن مزاج القرن العشرين، بدأ من نتشه ونزوعه العدمي، وتكرّس بعد الحوادث الكبرى الدموية التي مر بها القرن العشرين، خصوصا الحربين العالميتين وما ولّدته من حالة مزاج متشائم وشديد اليأس هذا السياق التاريخي، أما السياق المعرفي، فهناك حدث في التاريخ الفكري للبشرية لم يتم الانتباه له بما يكفي وعجزت الفلسفة عن مواكبته وهو ابتكار نظرية المجموعات في الرياضيات.
ويوضّح فليح أنّ "باديو" يعد هذه النظرية حدثا معرفيا تاريخيا كبيرا حلّ اشكاليات طالت في الفكر البشري على مدى 2000 عام، وعدم استيعابها هو جزء من القصور الفلسفي، فمع نظرية المجموعات والمفاهيم الفلسفية والفكرية مثل "العدمية، اللانهائية" التي كان يصعب تصورها أصبح مع الرياضيات ممكن التعامل
معها.
وعن علاقة الفلسفة بالعلم، يقول فليح من المعروف أنّ العلوم خرجت من معطف الفلسفة حتى القرن التاسع عشر، والاجماع العام على تهميش الفلسفة أو حصرها في فلسفة العلم تحديدا باعتبار نمط التفكير القديم للفيلسوف "كالجلوس" هذا أمر عفى عليه الزمن، فالعلم الآن يستند إلى التجربة والمنطق، نحن الآن لسنا في موت الفلسفة وإنما العلم حل
محلها.
وتناول الباحث مايقوله "الان باديو" في كتابه (بيان من اجل الفلسفة) الذي من شأنه اعادة للفلسفة اعتبارها لكنه لا يعود إلى الماضي بـ "الفلسفة قادرة على توليد حقائق" بل يشير إلى أنّ الفلسفة راعية للحقائق، كما وتحدث عن مجريات حقيقة، تأتي في مجالات الحياة البشرية وهي "العلم العاطفة، السياسة، الفن" هذه المجالات الاربعة تمنح المعطيات الاولى، وتقوم الفلسفة برعاية هذه المعطيات ووضعها في إطار عام، هنا ستكون حقائق ثابتة ودائمية رغم اختلاف صيغ التعبير عنها.